ظهرت الدولة البويهية في بغداد وحكمت حوالي 113 عامًا، وجاءت سيطرتهم على الخلافة نتيجة الصراع الداخلي على السلطة بين قادة الجند داخل عاصمة الخلافة العباسية، وبذلك بدأت مرحلة جديدة من حياة الدولة العباسية، وهي مرحلة انتقال السلطة بصورة شبه كاملة وبشكلٍ فعليّ من أيدي العرب إلى أيدٍ غير عربية، والبويهيون هم أسرة ديلمية من المغامرين المرتزقة، والذين خبروا قيادة الجيش أكثر من إدارة شؤون البلاد، وقد كان علي بن بويه هو المؤسس الأول للدولة البويهية، وذلك بعد أن استولى على مدينة الكَرج عام 932م.[١]


أسباب نفوذ البويهيين

من أهم أسباب نفوذ البويهيين هي:[٢]

  • تدهور أحوال الخلافة العباسية واندثار معالمها، وخاصة عندما سيطر البويهيون على بغداد.
  • تجريد الخليفة من كامل سلطاته، فقد سلبوا حقه في تعيين الوزراء، وحددوا له راتبًا، وسمحوا له بأن يتخّذ كاتبًا ليُشرف على أمواله فقط.
  • عدم إسقاط الخلافة العباسية في بغداد، ليحلّوا محلها خلافة علويّة، وذلك لأنهم يعلمون أن وجود خليفة من العلويين سيهدّد ملكهم وسلطانهم، وبالتالي كانوا يرغبون بتعيين خليفة آخر لا ينتمي إليهم ليستطيعوا أن يفعلوا به ما يشاؤون.


قيام الدولة البويهية وسيطرتها على العراق

من أهم المعلومات:[٣]

  • جاء البويهيون من منطقة الديلم، وهي المنطقة الواقعة إلى الجنوب الغربي من بحر قزوين.
  • كانت بداية البويهيين مع الأب بويه فناخسرو، وبدأ صيت تلك الأسرة يعلو عندما التحق بويه وأولاده علي، والحسن، وأحمد، بجيش ماكان بن كالي الديلمي، حيث استطاعوا في وقتٍ قصيرٍ أن يصلوا إلى مراكز هامة في جيشه؛ وذلك لحنكتهم العسكرية.
  • عندما هُزم جيش ماكان على يد مرداويج الديلمي، واستولى مرداويج على جميع بلاد جرجان، وقزوين، وطبرستان، والكَرج، وذلك عام 320هـ زاد نفوذه في تلك الأقاليم، وامتد سلطانه إلى حدود العراق.
  • انحاز البويهيون إلى مرداويج، ثم ولى علي بن بويه بلاد الكَرج، وكتب له عهدًا بذلك، وأظهر كفاءة عالية في إدارة البلاد، وأحسن معاملة أهلها، فأحبه الناس ومالوا إليه، وأخذ علي بن بويه يستعد لتحقيق أطماعه.
  • استولى بعدها أخوه أحمد بن بويه من الاستيلاء على كرمان.
  • بعدما قُتل مرداويج على يد جنوده الأتراك، قام البويهيون بالاستيلاء على أصبهان والري، واستمروا في توسعهم نحو الغرب، فدخل أحمد بن بويه الأهواز عام 326هـ، كما استطاع علي بن بويه إخضاع بلاد فارس.
  • قام أحمد بن بويه الذي اتّخذ الأهواز مقرّا له، يتطلّع إلى الاستيلاء على بغداد، وبعد أن ساءت الأحوال في عهد الخليفة المستكفي، رحل أحمد بن بويه إلى بغداد ودخلها دون مقاومة تُذكر عام 334هـ.
  • بويع أحمد بن بويه في بغداد بدعمٍ من الخليفة المُستكفي، فقد رأى الخليفة أنه من الخير له أن يُرحب بابن بويه.
  • وعلى الرغم من أن البويهيين زيديون، لا يعترفون بحكم العباسيين، إلا أنهم في بداية دخولهم إلى العراق أرادوا نقل الخلافة إلى أبي الحسن محمد بن يحيى الزيدي، ولكنهم عدلوا عن تلك الفكرة، وظل العباسيون في حكم العالم الإسلامي؛ وذلك خدمةً لمصالحهم السياسية.


سلطة الخليفة العباسي في حقبة الهيمنة البويهية

شكل دخول الجيش البويهي بغداد عام 334هـ بداية مرحلة جديدة في تاريخ الخلافة العباسية، والممارسة السياسية الإسلامية،[٤] ويمكن تقسيم المراحل التاريخية لسلطة الخليفة العباسي حتى بداية الهيمنة البويهية كالآتي:[٤]

  • مرحلة الانفراد بالسلطة: حيث مارس الخليفة من خلالها سلطة مطلقة في جميع المجالات الدينية والدنيوية، لم يقيدها إلا الشريعة الإسلامية نظريًّا، وكان ذلك خلال مرحلة الخلفاء الأقوياء ما بين عامي 132هـ حتى عام 247هـ.
  • مرحلة الحَجر على الخلفاء: وهي مرحلة بدأت منذ تسلّط الجُند الأتراك على الخلفاء، حيث منعوهم من مزاولة سلطاتهم، وكانت بين عامي 347هـ حتى عام 324هــ، باستثناء مرحلة إفاقة الخلافة، والتي كانت بين عامي 256هـ حتى عام 295هـ.
  • مرحلة تفويض الخليفة لسلطته الدنيوية: إذ اقتصرت سلطة الخليفة الفعلية على المجالات الدينية فقط، مع احتفاظه بحق الإشراف العام النظري على الدولة، والتي مثلتها مرحلة إمرة الأمراء، والتي امتدت منذ عام 324هـ حتى عام 334هـ، حيث شهدت هذه المرحلة أول بوادر الفصل بين السلطتين الدينية والدنيوية في الإسلام، حيث احتفظ فيها الخليفة بالسلطة الدينية في مجالات تعيين الخطباء، والقُضاة، والشهود، وعزلهم في بغداد العاصمة، بالإضافة للأقاليم التابعة للخلافة العباسية.


كيف واجه العرب الهيمنة البويهية؟

كانت هناك بعض المحاولات التي لم يُقدر لها النجاح في التخلص من البويهيين، ومن أهمها:[٥]

  • محاولة الخليفة المستكفي الاستعانة بالحمدانيين.
  • محاولة الخليفة الطائع الاستعانة بالجُند الأتراك ضد البويهيين.
  • محاولة الخلفاء المتأخرين ومنهم الخليفة القادر بالله، وابنه القائم بأمر الله، اللجوء إلى الشعب، وذلك من خلال التقرب من الفقهاء ورجال الدين، لتقوية مركزهم السياسي والديني، بهدف استعادة حقوق الخلافة الشرعية ومكانتها.
  • اعتماد بعض الخلفاء العباسيين في مقاومة النفوذ البويهي على بعض حركات العامة، وأهمها: حركات العيارين، والشطار، إذ قاموا بمهاجمة الوجود البويهي في بغداد، ووقفوا إلى جانب بعض أمراء الأقاليم.
  • الثورات التي قام بها بعض زعماء القبائل العربية في العراق ومن أهمها: بني شاهين في البطائح، وكان ذلك في عام 338هـ، بالإضافة إلى ثورات بني مزيد في الحلة عام 403هـ، ولكن باءت تلك المحاولات بالفشل، وذلك بسبب تمزق الدولة العباسية في وحدتها السياسية إلى دويلات مُتنازعة، والفتن المذهبية، لذلك توجّب على الخليفة القائم بأمر الله أن يستعين بقوّة جديدة، فوجد السلاجقة أمامه.


التنظيمات العسكرية لجيش التسلط البويهي

كان للجيش البويهي تنظيمات عسكرية خاصة، ومن أهمها:[٦]

  • إدخال عنصر المُشاة: فقد استخدموا الرجال الديالمة كحرس خاص.
  • أصحاب المصافّ بباب العامّة: وهم أولئك الجنود الذين كانوا يصطفّون في صحن الاستقبال داخل القصر.
  • النزعة الحربية: كانت الصفة المميزة لتجهيزاتهم الحربية في ميدان القتال استعمالهم للرمح، والسيف، والجوبين وهو الرمح القصير.
  • الديالمة هم العنصر الأساسي في جيوش الزعامات أو التكوينات الديلمية القبلية: وهي التي برزت على مسرح الأحداث في منطقة قزوين.
  • استخدام العنصر التركي في الجيش البويهي: فقد كانت الحاجة قائمة إلى جذب الجنود الأتراك إلى جانب الديالمة الرجالة، وذلك نتيجة المعارك التي دارت بين الديلم، وجيوش ياقوت وابنيه، في المناطق المكشوفة، بالإضافة إلى ذلك؛ فإنّ جيش مرداويج الزّياري أيضًا كان يضمّ في صفوفه الجنود الأتراك، وتجدر الإشارة إلى أن بعض الروايات ذكرت أن القادة الأتراك لم يكونوا على وِئامٍ مع مرداويج بسبب معاملته الخشنة معهم، مما دفعهم إلى التآمر عليه وقتله، فلجأ عدد من القادة الأتراك إلى علي بن بويه، فضمّهم إلى عسكره.
  • دخول الأكراد إلى صفوف الجيش البويهي: وقد ورد ذكر الأكراد خلال الحملة العسكرية بقيادة كوركير بن جستان، وعابد بن علي ضد القنص والبلوجي في كَرمان.


أهل الذمة في العصر البويهي

استعان البويهيون بأهل الذمة في كافّة أمورهم، وقد تعددت المهام التي أوكلها الأمراء للذميين، ومن أهمها مهمّة الوزارة، ومن أهم الوزراء الذميين: أبو سعيد إسرائيل بن موسى النصراني، والذي كان وزيرًا لعماد الدولة سنة 339 هجرياً، بالإضافة إلى ذلك؛ فقد اعتمد البويهيون عليهم في حفظ أموال الدولة، وتسجيل ما يرد إليها ويخرج منها، وبالتالي أوكلوا إليهم وظيفة الخزانة، كما كانت تتم بينهم مجالسات، ومسامرات، نظرًا لحُسن العلاقة بين الأمراء البويهيين والعمال الذميين، مما أدى إلى توثيق الصلات بينهم.[٧]

المراجع

  1. حسن منيمنة، تاريخ الدولة البويهية، صفحة 8-18-19. بتصرّف.
  2. مجموعة من المؤلفين، الموسوعة الموجزة في التاريخ الإسلامي، صفحة 52. بتصرّف.
  3. عمر خلف عبد المنعم الزواهرة، العراق خلال عهد عضد الدولة البويهية، صفحة 30-38. بتصرّف.
  4. ^ أ ب مضر عدنان طلفاح، سلطة الخلافة العباسية في حقبة الهيمنة البويهية، صفحة 245. بتصرّف.
  5. اليوزبكي، توفيق سلطان ، العرب في مواجهة الغزو البويهي في العصر العباسي، صفحة 61. بتصرّف.
  6. عبد الجبار ناجي، دراسات في التنظيمات العسكرية لجيش التسلط البويهي على الخلافة العباسية، صفحة 155-156-157. بتصرّف.
  7. يوسف حسن غوانمة، أهل الذمّة في العصر البويهي، صفحة 46-52-53. بتصرّف.