الحضارة اليونانية القديمة وأهميتها

نشأت الحضارة اليونانية القديمة على أرض دولة اليونان الحديثة وما حولها من البلدان في جنوب شرق أوروبا، ولكنها لم تكن دولة أو إمبراطورية يحكمها حاكم واحد، بل هي مصطلح يستخدم لوصف فترة زمنية ممتدة من 1200 قبل الميلاد إلى 323م نشأت فيها ثقافات ومدن وحكام وقبائل مختلفة.[١][٢]


وتعتبر الحضارة اليونانية القديمة من أكثر الحضارات القديمة تأثيرًا على الحضارة الإنسانية في شتى مجالات الحياة؛ السياسية والعلمية والثقافية وحتى الرياضية، فتعد أساسًا لقيام الثقافة الغربية بشكل عام، أيضًا اعتمدت عليها الإمبراطورية البيزنطية اعتمادًا شبه كامل في إنشاء التعاليم والتقاليد البيزنطية، واستخدم المسلمون علومها وثقافتها، وترجموها للعربية في العصور الذهبية الإسلامية، وكان تأثيرها سببًا في نشوء نهضة أوروبا الغربية، بل واستخدمت في إحياء الحركة النيوكلاسيكية في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر في أوروبا والأمريكتين.[٣][٤]


إنجازات الحضارة اليونانية القديمة

ساهمت الحضارة اليونانية القديمة في تطور الكثير من الحضارات الإنسانية من بعدها، وذلك لما تركته من إرث ثقافي، علمي، فني أثر على الإنسانية جمعاء، ومن أهم مجالات إبداعهم وإنجازاتهم:


الفلسفة والعلوم

اشتهر اليونانيون القدماء بالفلسفة والعلوم، فاعتمدوا اعتمادًا كاملًا على العقل والمنطق في الفلسفة، حيث تجسدت الثقافة الفلسفية اليونانية في حوارات أفلاطون، التي حولت أسلوب استجواب سقراط إلى شكل مكتوب، أيضًا يعد أرسطو، وهو تلميذ أفلاطون، عالمًا في عدة مجالات كالفلسفة وعلم الأحياء والدراما.[٤]


وقدم اليونانيون القدماء إنجازات كبيرة ومتنوعة في العلوم والرياضيات، فكان فيثاغورس وإقليدس وأرخميدس من أبرز العلماء الذين أبدعوا في مجالات الهندسة والبراهين الرياضية، أيضًا برع اليونانيين القدماء في الفلك، فطوروا بعض النماذج الفلكية في محاولة لوصف حركة الكواكب ومحور الأرض ونموذج مركزية الشمس، وهو نموذج يضع الشمس في مركز النظام الشمسي.[٤]


وكانت لهم إسهامات واضحة في مجال الطب، فأسس أبقراط، كلية الطب، وهو من أشهر الأطباء في ذلك العصر، وكتب العديد من الرسائل الطبية، وبسبب تحقيقاته المنهجية والتجريبية للأمراض والعلاجات، يُنسب إليه الفضل في كونه مؤسس الطب الحديث، ولا يزال الأطباء لحد الآن يقسمون بقسم أبقراط، وهو قسم أخلاقي يقسمونه قبل مزاولتهم المهنة.[٤]


الدين

كان الدين عنصرًا مهمًا في الثقافة اليونانية القديمة، حيث آمن اليونانيون القدماء بضرورة إدخال الدين جميع مناحي الحياة، وبالرغم من ذلك لا توجد أي كلمة يونانية تشير إلى كلمة الدين حرفيًا، إذ كانت أقرب المصطلحات التي تشير إلى الدين هي eusebeia (التقوى) وthreskeia (العبادة)، ويمكن وصف الديانة اليونانية بالإيمان بتعدد الآلهة المجسمة تحت إله واحد أعلى، لم يكن لها كتب مقدسة أو رجال دين، بل كهنة يؤدون العبادات فقط.[٥][٦]


وتمثل الدين لدى اليونانيين القدماء بالطقوس الرسمية التي تضمنت الذبائح الحيوانية، والأساطير اليونانية الدينية التي استخدمت لشرح أصول البشرية، والمعابد التي انتشرت بشكل كبير في جميع المدن، ومهرجانات المدينة والمسابقات الرياضية والفنية الوطنية، ومثّل اليونانيين القدماء الآلهة بوجه إنسان، واستمر الدين عندهم لأكثر من ألف عام، منذ عهد هوميروس في القرن التاسع أو الثامن قبل الميلاد، إلى عهد الإمبراطور جوليان في القرن الرابع الميلادي، حيث امتد نفوذ الحضارة غربًا إلى إسبانيا، وشرقًا لنهر السند، خلال تلك الفترة.[٥][٦]


الأدب والمسرح

لا يمكن لأحد أن يدرس الأدب والمسرح العالمي، ولا يأتي على ذكر الإرث اليوناني العظيم بهم، فقد ارتبط الأدب والمسرح ارتباطًا وثيقًا بالمجتمع اليوناني القديم، فبدأ المسرح اليوناني بالبزوغ في القرن السادس قبل الميلاد في أثينا بأداء المسرحيات التراجيدية في المهرجانات الدينية، الأمر الذي طوّر المسرح اليوناني ليخرج بأنواع مختلفة من المسرحيات كالمسرحيات الكوميدية اليونانية.[٤]


واشتهرت المسرحيات اليونانية في تلك الفترة بشكل كبير، وانتشرت عروضها في جميع أنحاء مناطق البحر الأبيض المتوسط، فتركت تأثيرًا كبيرًا على المسرح الهلنستي والروماني، وحتى على المسرح الحديث، حيث شكلت أعمال الكتاب المسرحيين مثل سوفوكليس وأريستوفانيس الأساس الذي يقوم عليه كل المسرح الحديث، وذلك لأن المسرح اليوناني كان أول من دمج فكرة تفاعل الشخصيات مع الحوار، فكان الكاتب المسرحي إسخيلوس (Aeschylus) أول من قدم فكرة تفاعل الشخصيات مع الحوار، وقدم المسرح اليوناني الكوميديا، بتوظيف السخرية في العمل، مثل مسرحية Sophocles's Oedipus the King.[٤]


وبالرغم من أن المسرح كان من الفنون الطاغية على الحضارة اليونانية القديمة، إلّا أن الشعر الذي كان يُلقى شفويًا، كان من أبرز التقاليد الأدبية اليونانية، خاصة في التاريخ اليوناني المبكر، مثل قصائد هوميروس الملحمية (Homer’s epic)، والإلياذة (The Iliad) والأوديسة (Odyssey)، حيث بقيت هذه القصائد تُلقى شفويًا، إلى أن تم جمعها على شكل نصوص مكتوبة في عام 670 قبل الميلاد.[٤]


العمارة والنحت

كان النحت من أبرز ما تميز به اليونانيون القدماء، مع أنهم تأثروا كثيرًا بالفن المصري والشرقي بشكل عام في عام 800 إلى 300 قبل الميلاد، إلّا أنهم ابتكروا رؤيتهم الفينة الخاصة بعدها، فتطور مفهموهم للفن والنحت بشكل خاص، حتى تأثرت به كافة الحضارات من بعدهم، وتميز النحاتون اليونانيون بنحت الشكل أو الجسم البشري، فنحتوا تماثيل بشرية، بطريقة عالية الدقة والجودة والجمال، فأصبحت تماثيلهم المصنوعة من الحجر والبرونز من أكثر المنحوتات الفنية شهرة على مر الأزمنة والعصور، حتى إن بعض الحضارات الأخرى تنافست في تقليدها، وكانت مهارتهم هذه ترجع إلى اهتمامهم بالتناسب والتوازن والكمال المثالي لجسم الإنسان.[٤]


أما بالنسبة للفن المعماري في الحضارة اليونانية القديمة، اهتم اليونانيون القدماء بالبساطة والنسبة والمنظور والانسجام في مبانيهم، فكانت مبانيهم من أرقى المباني وأكثرها تميزًا في العالم القديم كاملًا، حيث أصبحت معابدهم ومسارحهم وملاعبهم، من أهم سمات ومميزات البلدات والمدن على مر الأزمنة والعصور، وساهم إرثهم العظيم في العمارة في التأثير بشكل كبير على المهندسين المعماريين في العالم الروماني، وعلى العالم الغربي منذ عصر النهضة إلى الوقت الحاضر.[٤]


المراجع

  1. "ancient Greek civilization", britannica, Retrieved 27/11/2022.
  2. "Ancient Greece: A brief guide to the history, culture and daily life", nerdish, Retrieved 27/11/2022. Edited.
  3. "Ancient Greece", history, Retrieved 27/11/2022. Edited.
  4. ^ أ ب ت ث ج ح خ د ذ "Classical Greek culture", khanacademy, Retrieved 27/11/2022. Edited.
  5. ^ أ ب "Greek religion", britannica, Retrieved 27/11/2022. Edited.
  6. ^ أ ب "Greek Religion", worldhistory, Retrieved 27/11/2022. Edited.