تعد الحضارة في المفهوم العام نتيجة وثمرة الجهود الإنسانية التي تم توصل إليها من أجل تحسين معيشته، بقصدٍ أو دون قصد، ويمكن أن تكون هذه الثمرة أو النتيجة مادية أو معنوية، ويرتبط هذا المفهوم بشكل كبير بالتاريخ؛ لأن نتائج الحضارة تحتاج إلى زمن طويل كي تظهر.[١]


وكلمة الحضارة في اللغة مشتقة من الفعل حَضَرَ، والحضر والحاضرة هي عكس البداوة، وتعني المدينة، حيث انتقل الإنسان من مرحلة البداوة إلى الحضر، وشكل ذلك تطورًا في حياة الإنسان في مختلف النواحي، أما الحضارة في الاصطلاح فهي مجموعة من المظاهر العلمية والأدبية والفنية والاجتماعية التي توجد في المجتمع.[٢]


عوامل انهيار الحضارات

هناك العديد من العوامل والأسباب لانهيار الحضارات منها:[٣][٤]

  • الانفراد بالسلطة وحصول الترف: تفرد الحاكم بالسلطة، وعيش حياة الترف والإنفاق على الهبات والأعطيات، يعمل على هلاك الفقير واستغراق المُترف في ترفه، إلى أن يقل مقدار الهبات إلى الترف المفسد للخلق؛ فيؤدي ذلك إلى أن يعم الشر ويختفي الخير، وبذلك يكون مؤشرًا على انهيار الحضارة.
  • انقسام الدولة إلى دولتين: وهذا يؤدي إلى انقسام الدولة وإضعافها، وهو ينتج من استبداد الحاكم بالسلطة والمجد؛ فتنهار الحضارة وتذهب إلى الزوال.
  • الظلم: إن وقوع الظلم والاعتداء على أموال الرعيّة يؤدي إلى عدم التوقف عن السعي والعمل، وتسود حالة من التشاؤم والنكوص، ومن صور الظلم أيضًا تسخير المواطنين بغير وجه حق، واحتكار البضائع والسلع وبيعها لهم بأسعار مرتفعة.
  • الحضارة غاية العمران وبدايته: تصل الحضارة إلى قمة ازدهارها، وترفها من خلال العمران، وبعد ذلك تبدأ الحضارات بالانهيار.
  • التغير البيئي: أدى التغير البيئي مثل شح الموارد الزراعية ونقص الإمدادات؛ بسبب تغير المناخ والجفاف إلى انهيار الحضارات وخاصةً تلك التي نشأت قبل التطور الصناعي، ومثال ذلك حضارة المايا التي نشأت في أمريكا الوسطى قبل 3000 قبل الميلاد.
  • التراجع الاقتصادي: كان ضعف الزراعة وقلة القدرة على الإنتاج سببًا آخر في انهيار الحضارة الرومانية.
  • ضياع الوحدة الاجتماعية.[٥]
  • ابتعاد الأكثرية عن الأقلية الحاكمة.[٥]
  • احتكار الطاقة الإبداعية بيد الأقلية: حيث إن الأقلية الحاكمة تفقد القدرة على الإبداع؛ فتصيغ أنظمة جديدة، لكن بقالب قديم جامد، بالإضافة لامتهان الشعب، فينشق المجتمع ويصبح مُهيأ للغزو، ومثال ذلك المماليك الذين هُزموا أمام نابليون.[٦]


أطوار الحضارات ومراحلها

أطوار الحضارة من منظور زفالد شبنجلر

بحسب زفالد شبنجلر، فإن الحضارة تتكون من ثلاثة أطوار:[٧]

  • طور ميلاد الحضارة ونشوئها.
  • طور الازدهار والنهضة.
  • طور الانهيار والسقوط.


أطوار الحضارة من منظور ابن خلدون

بحسب ابن خلدون، فإن الحضارة تمر بعدد من المراحل هي:[٨]

  • مرحلة النشأة (البداوة): وفي هذه المرحلة يكتفي الأفراد بالأمور الضرورية لحياتهم، ويتسم عيشهم بالخشونة، ووجود العصبية القبلية.
  • حالة الملك والاستبداد: في هذه المرحلة يتم انتقال المجتمع من البداوة إلى الحضارة؛ حيث تقل العصبية القبلية، وتتركز السلطة في يد أسرة أو فرد، بعد أن كانت بيد الجميع.
  • مرحلة الترف والنعيم: يتحقق في هذه المرحلة الترف والغنى، ويساعد الاستقرار على الازدهار العمراني وتوسعة البيوت، ويهتم الحضريون بالصناعة والتجارة.
  • مرحلة القنوع والمسالمة وتقليد الحكام الآخرين: في هذه المرحلة يبدأ الضعف والوهن بالسريان في الدولة، وتتآكل الدولة وتتراجع.
  • مرحلة الاستكانة والضعف: في هذه المرحلة تتميز الدولة بالتبعية للدول الأقوى، وتكون في قمة ضعفها، الأمر الذي يؤدي أخيرًا إلى سقوطها.


التحديات التي تواجهها الحضارات المعاصرة

تواجه الحضارة المعاصرة عددًا من التحديات منها:[٩]

  • شح الموارد: تواجه الحضارات المعاصرة نقصاً في الموارد، وذلك نتيجة الاستنزاف، حيث تقول الدراسات أن ما يقارب 50% من الثروة الحيوانية انقرضت خلال آخر 50 عاماً، حيث يؤدي ذلك إلى صراع عالمي على الموارد الشحيحة، وزيادة الشعور بالظلم عند المواطنين.
  • التلوث: يتراكم التلوث بسبب اهتمام الدول بالثروة الفردية التي تحيطهم وتحيط الدول القريبة، ويكون الاهتمام بالعالم آخر الأولويات، حيث إنه خلال العشر سنوات القادمة سوف يعاني العالم من مشاكل جدية نتيجة التلوث البيئي، الذي يعمل على زيادة الاحتباس الحراري، وتغير المناخ، وطبيعة الفصول الأربعة، وحدوث الفيضانات والانهيارات.
  • تغير وتيرة تطور الاقتصاد الصناعي: عملت تكنولوجيا المعلومات والاتصالات على تسريع وتيرة البرامج الزمنية، ومن نتائج ذلك؛ إمكانية إخفاء الحقائق وعدم القدرة على كشف الظلم وعدم العدالة بالإضافة للتغير السريع.
  • عدم التوافق بين الدين والعلم: يظهر ذلك بشكل واضح في الحضارة الغربية بحسب توينبي، الأمر الذي يؤدي إلى عدم القدرة على السيطرة على آفات المجتمع كالخمور والمخدرات، وقد قارن توينبي ذلك مع الحضارة الإسلامية التي تتمتع بالحيوية والنشاط والإقبال على الحياة، بينما أن الحضارة الغربية هي مجرد قوة مادية عظمى تفتقر للروح.[١٠]

المراجع

  1. حسين مؤنس، الحضارة، صفحة 13. بتصرّف.
  2. احمدحسين، تطور الحضارة وانهيارها عند ابن خلدون، صفحة 792-793. بتصرّف.
  3. ,Atkins PJ, Simmons IG, ENVIRONMENTAL DEGRADATION AND THE COLLAPSE OF CIVILIZATIONS, Page 3-4. Edited.
  4. ^ أ ب جامعة فيلادلفيا، الاول - مدخل إلى الفكر الحضارة (1).pptx مساق الفكر والحضارة الإنسانية، صفحة 34. بتصرّف.
  5. إسماعيل محمد الزيود، إرهاصات النهضة في المجتمع العربي: دراسة سوسيولوجية في ضوء نظرية التحدي والاستجابة، صفحة 7. بتصرّف.
  6. بروال جمال (1/7/2017)، "نظرية الحضارة عند اسوالد اشبنجلر – مقاربة تحليلية في دورة الحضارة-"، جيل البحث العلمي، اطّلع عليه بتاريخ 19/6/2021. بتصرّف.
  7. فاطمة الطراونة، عوامل تدهور الحضارة الغربية، صفحة 1474. بتصرّف.
  8. طلال ابو غزالة، انهيار الحضارة العالمية، صفحة 3-8. بتصرّف.