ولد الظاهر بيبرس في العام 1260م، وكان عبدًا مملوكًا للسلطان الصالح أيوب، وقد صعد طريق السُلطة والنجاح خطوة بخطوة، وطالما حلم بأن يكون صاحب عرش مصر يومًا ما؛ السلطان الظاهر بيبرس البندقداري، والذي أبرز نفسه ولفت انتباه السلاطين الأيوبيين من شدة شجاعته ومهارته في المعارك والحروب، وبذلك استطاع استلام المناصب الإدارية شيئًا فشيئًا حتى أصبح سلطان المماليك البحرية، ولم يصل لذلك بسهولة أبدًا؛ حيث شارك في اغتيال السلطان توران شاه (آخر سلاطين الدولة الأيوبية)، وفي عهد سلطنة أيبك انضم للجماعة المُنقلبين عليه، وهرب من مصر ولم يعد لها حتى عهد قُطز حين استدعاه لقيادة الجيش من جديد.

بداية عصر الظاهر بيبرس

يعتبر الكثيرون الظاهر بيبرس مؤسس دولة المماليك، وأول من حكم منهم، وقد بدأ عصره في العام 1260م بطريقة مثيرة للاهتمام على النحو الآتي:^[١]

• بدء هجوم المغول على مصر والشرق الأوسط جعل السُلطان قُطز يُرحّب بعودة الظاهر بيبرس للقاهرة لقيادة الجنود، وبالفعل قادهم بيبرس وحققوا النصر.
• في طريق عودتهم للقاهرة قام الظاهر بيبرس بقتل قُطز، وتعيين نفسه سُلطانًا على مصر.
• بدأت سلالة المماليك تحت حُكمه في فرض كامل سيطرتها على مصر، وشمال أفريقيا، وفلسطين، وسوريا، وأجزاء من العراق، وآسيا الصغرى.
• قام بتثبيت حُكمه من خلال عقد تحالف وعلاقات طيبة مع الخليفة العباسي المُستنصر.
• استمر بيبرس في خوض الحروب والغزوات مع البلدان الأخرى منذ بداية حكمه، وقاد ما يزيد عن 38 حملة في سوريا، وحارب المغول والأرمن.

سياسات الظاهر بيبرس في الحكم

السياسات الداخلية

اهتم الظاهر بيبرس في الشؤون الداخلية لمصر بشأن كبير خلال فترة حكمه، ومن السياسات الداخلية التي اتبعها:^[٢]

• نظام حُكم ملكي وراثي: جعل نظام الحُكم ملكيًا وراثيًا؛ حتى لا تخرج السيطرة على العرش من يده هو وأسرته.
• تحديث بعض الوظائف الإدارية: قام بإحياء وظيفة نائب السُلطان من جديد؛ لكثرة تغيبه عن مصر وحاجته لمن يُساعده في إدارة شؤون الدولة، وتعيين وزير للأخذ بمشورته ومساعدته، كما عيّن حاجبًا لإدخال الناس عليه، ورأس نوبة الأمراء، وأمير المجلس، وأمير السلاح، ووظيفة الولاية وغيرها.
• إقامة العدل: حرص الظاهر بيبرس على تحقيق العدل والمساواة بين رعاياه.
• تنمية مصادر الثروات: وذلك من خلال تعزيز ودعم الزراعة، والتجارة، والصناعة.

السياسات الخارجية

من أبرز السياسات الخارجية التي اتبعها الظاهر بيبرس في الحُكم:^[٣]

• محاربة الصليبيين: تغلّب على الصليبيين، وتخلّص من وجودهم في سواحل الشام؛ لتجنب المخاطر التي تواجه دولة المماليك بسببهم.
• الهجوم العسكري: اعتمد على الحروب، والغزوات، والهجمات العسكرية للتغلّب على أي من أعدائه، ولتوسيع دولته.
• الصُلح: لم يُمانع عقد الصُلح، والهُدنات، والاتفاقيات، وتحقيق السلام مع البُلدان في حال استسلامها له.

الإنجازات في عصر الظاهر بيبرس

من أبرز الإنجازات في عصر الظاهر بيبرس:^[٤][٥]

• قام الظاهر بيبرس بهزيمة الفرنسيين في الحملة الصليبية السابعة؛ مما منحه شُهرة ومكانة عالية.
• تمكّن الظاهر بيبرس من صد المغول القادمين لمصر، ومرّة أخرى ازدادت سمعته ومكانته العسكرية بشكل كبير.
• نظّم الحُكم في مصر بشكل هرمي؛ حيث وجد هناك الأمراء، والمسؤولون، والبيروقراطيون.
• تحسين البنية التحتية للقاهرة، وتحسين العلاقات مع البلدان المجاورة، وبشكلٍ خاص مع سوريا والمغول.
• دمج الخلافة العباسية بالحكومة المصرية؛ مما منح دولة المماليك سلطة دينية كبيرة في العالم الإسلامي.
• تطوير الخدمات البريدية؛ حيث أصبحت الخدمة البريدية سريعة للغاية ولا تستغرق أكثر من 4 أيام بين دمشق والقاهرة.
• توظيف قُضاة لتمثيل المذاهب الرئيسية للشريعة الإسلامية؛ علمًا أنه كان أول حاكم في مصر يفعل ذلك.
• تحسين الموانئ، وبناء الجامع الكبير، ومدرسة الظاهر بيبرس.
• حظر استخدام النبيذ في العام 1271م.

الحروب في عصر الظاهر بيبرس

حدثت مجموعة كبيرة من الحروب والمعارك في عصر الظاهر بيبرس، وأبرزها:

معركة المنصورة

حصلت معركة المنصورة في منطقة المنصورة في مصر، ومن أبرز أحداثها:^[٦]

• أطراف الحرب: الجيش الفرنسي بقيادة الملك لويس التاسع عشر، والطرف الثاني كان جيش مصر بقيادة الظاهر بيبرس.
• الأسباب: أراد الملك لويس التاسع عشر السيطرة على المنصورة بعد وفاة الملك الصالح، وتصدّى له الجيش المصري.
• النتائج: دارت المعركة بين الطرفين بالسيوف، والعصي، والحجارة، واشترك بها الرجال، والنساء، والأطفال، والكبار، وقُتل أغلب المُشاركين من القوات الصليبية، وكان النصر حليف الظاهر بيبرس وجيشه.

معركة عين جالوت

حصلت معركة عين جالوت في فلسطين في وادي عين جالوت، ومن أبرز أحداثها:^[٧]

• أطراف الحرب: المغول بقيادة هولاكو خان، والمماليك بقيادة الظاهر بيبرس.
• الأسباب: أراد هولاكو خان تنفيذ طلب أخيه (مونكو خان) الذي كلّفه بالقضاء على ما تبقى من الإمبراطوريات الإسلامية في الشرق الأوسط.
• النتائج: تكبّد المماليك خسائر فادحة على الرغم من انتصارهم في المعركة، وتم تدمير كتيبة المغول كاملة، وتوعّد هولاكو خان بالعودة للانتقام.

مميزات عصر الظاهر بيبرس

حرص الظاهر بيبرس على نشر العلوم الإسلامية في عهده، والعلم والأدب بشكل عام، والذي كان له أثر واضح على عصر الظاهر بيبرس، ومن ميزات عصره:^[٨]

• انتشار المدارس المزودة في العلماء والفقهاء بصورة كبيرة.
• ظهور مجموعة من كبار الأدباء والكتّاب مثل محي الدين بن عبد الظاهر، وجمال الدين بن واصل.
• برزت الدراسات التاريخية والدينية في عصر الظاهر بيبرس أكثر من الدراسات العلمية، والفلسفية، والفلكية وما إلى ذلك من علوم وآداب؛ ربما يعود ذلك لتركيزه على العلوم الدينية.
• كان المجتمع مختلطًا بين المماليك، والأتراك، والتتار، والأكراد.
• انتشر في المجتمع الصيد، والسباحة، والخيل، والرماية، وحب القتال، واستعراض الجيوش.
• انتشر الأمن والأمان بشكل كبير في دولة المماليك، وحرص الظاهر بيبرس على ذلك بنفسه، كما منع أي مظاهر تؤدي لسقوط المنظومة الدينية والأخلاقية في البلاد؛ مثل الغناء، والبغاء، والملاهي، والخلاعة.

نهاية عصر الظاهر بيبرس

بعد أن عاد من قياسرية وتحديدًا في العام 1277م استراح الظاهر بيبرس في دمشق، وأقام بها وليمة للأمراء من لبن القمر، وهو عبارة عن طعام تتاري أحبّه الظاهر بيبرس كثيرًا؛ مما جعله يُكثر من الأكل منه، ومن بعد ذلك أصابته الحمى لمدة أسبوعين، ومن بعدها مات متأثرًا بها، وهناك روايات تقول أن الكوب الذي كان يشرب به الظاهر بيبرس كان قد وضع السمّ به سابقًا حتى يشرب منه أحد أمراء الأيوبيين ويلقى حتفه، ولكنه شرب منه بالخطأ ومات مسمومًا، وتم تحنيط جثته ودفنها في دمشق،^[٩] ومن بعد موته اعتلى العرش مكانه ابنه السعيد، وقد كان حينها شابًا لم يُكمل 19 عامًا من عمره، وقيل أنّه كان مُنصاعًا لوالدته، ولم يملك من العزم والقوة كما امتلك والده، ولكنه كان قاسيًا مثله، وكان متخبطًا بصورة كبيرة مما جعل الأمراء يحتارون بأمره وتتشتت وحدتهم.