الخطابة هي الصفة التي يمكن من خلالها التصرف بأساليب القول لمحاولة التأثير في نفوس الناس وإقناعهم بأمر ما، وهي أيضًا نسج من الكلام المنثور بأسلوب أدبي متين ورصين، إذ يتم تقديمه بطريقة ملهمة ومؤثرة بالغير، وقد ازدهر هذا الفن في عصر صدر الإسلام؛ وذلك من خلال إضافة الآيات القرآنية والأحاديث النبوية إليها، مما زادها حكمة وبلاغة.[١][٢]
في أي عصر ازدهرت الخطابة؟
يعود ازدهار الخطابة في العصر الإسلامي إلى عدة مراحل وجوانب، ومنها:[٢][٣]
- زاد تأثير الخطابة بعد الإسلام قوة ووقعاً في النفوس وفي نهضة العرب وتحقيقهم للانتصارات، وأدى ذلك إلى زيادة رفعتهم وسمو أنفسهم وبالتالي أثر ذلك في ذوقهم البلاغي والأدبي.
- أدى التعرف على ثقافات مختلفة نتيجة الفتوحات التي تم تحقيقها إلى بلوغ الخطابة مبلغاً رفيعاً.
- حققوا مكانة كبيرة بين الأدباء الغرب أمثال كديموستنيس ويوليوس قيصر من خطباء اليونان والرومان.
- على الرغم من الخلافات والظروف السياسية التي مرت بها أمتنا الإسلامية إلا أن الخطابة بقيت في نفس طريق الازدهار والتقدم وخاصة في أواخر العهد الراشدي في العصر الأموي.
- تم اعتبارها من أهم الفنون التي انتشرت وازدهرت بشكل سريع في ذلك الوقت.
- يعود السبب وراء سرعة انتشارها إلى الخلافات السياسية والاجتماعية، بحيث استخدمت الخطابة في ذلك الوقت كوسيلة للتعبير عن الرأي؛ وذلك باتخاذها كأسلوب من قبل كل طرف من أطراف النزاعات.
- كثر الخطباء، فمثلاً كان الخطباء في العصر الأموي يقومون بتخصيص خطبهم لموضوع محدد ولا يتحدثون عن كل الأمور الحياتية في خطبة واحدة كالسابق؛ أي عند الحديث عن الأمور السياسية تكون الخطبة متخصصة بذلك فقط، وعند الحيث عن الأمور الاقتصادية تكون الخطبة متخصصة بذلك فقط، وعلى هذا الطريق بنيت خُطبهم.
عوامل ازدهار الخطابة وتطورها
من هذه العوامل ما يلي:[٤]
- قدرة الخطابة على شرح الحقائق وتقديم التفسيرات اللازمة، وذلك باتباع طرق الإقناع، وتقديم الحجج العقلية والبراهين المنطقية.
- تعد الخطب في مجال القول، مما يسهل عن طريقها إفهام العام والخاص.
- استخدمها الأمراء والخلفاء لإيصال رسائلهم وتوطيد علاقتهم مع شعوبهم.
- كان لها دور في فترة الخلافات الإسلامية والاجتماعية، حيث كانت الأطراف المتخاصمة تعتمد أحد الخُطباء ليمثلهم لتحصيل حقوقهم.
- وقفت الخطابة أمام أصحاب الفتن خاصة في الفترة التي استشهد بها عثمان بن عفان.
- تأثرت الخطابة بالفتوحات الإسلامية، والحياة الحضرية الجديدة التي عرفها العرب.
- ساهم اختلاط العرب بثقافات الغرب في تطور الخطابة وازدهارها.
أهمية الخطابة
تعتبر الخطابة مظهراً من مظاهر الرقي والتقدم في المجتمعات، ولذلك اهتمت بها الشعوب والأمم على مرّ العصور والأزمنة، ومن أهميتها ما يلي:[٥]
- تعد فناً أدبياً نثرياً راقياُ.
- كانت وسيلة لاكتساب الفصاحة والبلاغة.
- ساهمت في تطوير مهارة الكتابة لدى الكتاب.
- تعد مستودعاً لأسرار اللغة والفصاحة والبيان.
- اعتبرت أهم من الكتابة، فقد استلهم الكتّاب أفكارهم منها في كتبهم.
- لها أهمية دينية، حيث تعتبر المحفز الرئيسي للقيام بالفضائل والابتعاد عن المنكرات.
- تتميز بأهمية دورها في تشجيع الثبات والمقاومة والتحرير.
- تتميز بإضفاء المبايعة والولاء والطاعة للخلفاء والسلاطين.
- لها أهمية في الدفاع عن الفضائل والأفكار والعقائد، ونشرها للقيم الفاضلة.
معلومات أخرى عن الخطابة
عناصر الخطابة
حددت عناصر الخطابة من قبل الباحثين في هذا المجال إلى ثلاثة عناصر رئيسية هي:[٦]
- الخطيب: يعد العنصر الأساسي في الخطابة، وهو الذي يبني الخُطبة.
- الخُطبة: وتتضمن ثلاثة أركان رئيسية هي؛ المقدمة، والعرض، والخاتمة.
- المتلقي: يُعد المستمعون للخُطبة العنصر الذي يُوجه له الكلام، لذلك يجب أن يكون الخطيب عالماً بالجمهور الذي يستمع إليه.
أركان الخطبة
أركان الخطبة الثلاثة، وهي:[٧]
- المقدمة: وهي أول ما يظهر من الخُطبة والممهدة لموضوعها، وتعد من أهم العناصر في الخُطبة التي تجذب المستمعين وتلفت انتباههم، ويجب أن تُفصح المقدمة عن موضوع الخُطبة، وأن تكون عباراتها مختصرة وذات إيقاع حتى لا يمل المستمعون.
- العرض: وهو الجزء الرئيسي من الخُطبة، ويتم فيه عرض أفكار الخطيب ومحاولة إقناعهم بما لديه، ويجب أن يكون مضمونه أمراً واحداً، وأن يدور الكلام والأفكار من حوله، وإذا استعان الخطيب بأدلة فيجب أن يكون متأكداً منها، وأن تكون مضمونة وموثقة.
- الخاتمة: وهي إجمال ما تم تناوله في الخطبة من أفكار، وتتم معالجتها باختصار وحكمة، ويجب ألا تكون بعيدة عن الموضوع، ولا تتضمن أي أفكار أو أدلة جديدة، وأن تكون قوية وملهمة للمستمعين؛ لأنها آخر ما يطرق سمع الناس.
آداب الخطابة
وهي الآداب التي يجب أن يتصف بها الخطيب عند إلقائه الخُطب، وهي كما يلي:[٨]
- آداب الخطيب الخاصة: بحيث يجب أن يظهر ويبين سداد رأيه وصدق لهجته، وأن يكون على دراية ودراسة كاملة بالموضوع الذي يرغب بطرحه، وأن يظهر إخلاصه وإيمانه بالموضوع الذي يتناوله، وأن يتواضع للمستمعين له ويتودد لهم، وألا يكون قاسياً خشناً.
- آداب الخطيب مع المستمعين: ذلك بإنشاء اتصال بينه وبين نفوس وقلوب المستمعين له، وأن يكون الخطيب على علم بالجماعة المستمعة وعاداتهم وتقاليدهم وثقافتهم.
فنون الخطابة
تتمثل فنون الخطابة بما يلي:[٩]
- الخطب السياسية: تعد من أول وأهم فنون الخطابة لما لها من تأثير قوي على الشعوب، واتخاذها طريقة لتبرير السياسية.
- الخطب القضائية: وذلك بحلها لمشكلة الفصل بين الخصومات، وحل القضايا المعسّرة، ومعرفة الحق من الباطل، وبتحري العدالة الحقيقية وتطبيقها.
- الخطب الدينية: وهي خطب الوعظ الديني للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
- الخطب العسكرية: تتمثل بالخطب التي يلقيها القائد على جنوده، ليثبت من قلوبهم ويرفع من عزيمتهم، ويدفعهم إما للموت بهدف تحقيق النصر أو العيش بحياة شريفة.
- خطب التأبين: الخطب التي تلقى في مناقب الرجال عند وفاتهم، وحثّ المستمعين على الاقتداء بهم.
- المحاضرات العلمية العامة: وذلك بقيام الجامعات بإمداد المتعلمين بالبحوث العلمية لتنوير أذهانهم وتثقيفهم، ونشر الثقافة في البلاد.
- خطب المدح والشكر: تنقسم لقسمين؛ المدح التاريخي الذي يمدح فيه القادة وتبين صفاتهم، والقسم الثاني يكون لمدح مناقب الصفات الحسنى للأفراد وتشريفهم وتكريمهم.
المراجع
- ↑ عامر فتحي محمد الشيخ أحمد، فنّ الخطابة في العصرين الأيّوبي والمملوكي الأوّل، صفحة 7. بتصرّف.
- ^ أ ب "تاريخ آداب اللغة العربية"، هنداوي، اطّلع عليه بتاريخ 7/7/2021. بتصرّف.
- ↑ ّبنابي، في العصر الأموي.pdf?forcedownload=1 فن الخطابة عبر العصور العصر الأموي، صفحة 2. بتصرّف.
- ↑ "عوامل ازدهار الخطابة وتطورها"، جامعة بابل، اطّلع عليه بتاريخ 7/7/2021. بتصرّف.
- ↑
- ↑ عبد الله المري، الخطبة عن الفاروق، صفحة 12-16. بتصرّف.
- ↑
- ↑ محمد ابو زهرة، الخطابة : أصولها ، تاريخها في أزهر عصورها عند العرب، صفحة 48-53. بتصرّف.
- ↑