تعرف على أبرز صفات عصر النهضة

عصر النهضة هو الفترة التي شهدت فيها أوروبا حركة انتقالية من العصور الوسطى نحو العصور الحديثة، وكانت بدايتهُ في إيطاليا قبل أن يمتد إلى الأجزاء الأخرى من القارة الأوروبية، واستمر تأثيره من القرن 14 وحتى القرن 17 الميلادي، وشهد عصر النهضة إحياءً للفلسفة والتأثير النابع من الحضارات الكلاسيكية القديمة، مما أدى لازدهار الفنون والأدب والعلوم الحديثة، كما ظهرت فيه شخصيات عظيمة حققت إنجازات في المجالات الثقافية والفنية والسياسية والاقتصادية، ما زالت البشرية تستفيد من أعمالها إلى هذا اليوم.^[١][٢]

صفات عصر النهضة في الجانب الاجتماعي

يُذكر منها:

• ظهرت في عصر النهضة طبقة اجتماعية متوسطة بسبب سقوط النظام الإقطاعي وازدهار اقتصاد السوق الرأسمالي، الذي أدى لتنشيط الحركة التجارية في وقتٍ عانت فيه المجتمعات الأوروبية نقصًا في الأيدي العاملة بسبب انتشار الطاعون، كما أنّ العبودية انتهت في تلك الفترة، وأصبح العمال يطالبون بتوفير أجورٍ وظروفٍ معيشية ملائمة.^[٣]
• شهدت متطلبات المجتمع خلال عصر النهضة تغييرًا جذريًا، وأصبحت مرهونة بالمال بدلاً من الولاءات، وقد واجهت الكنيسة صعوبة في التأقلم مع هذا الفكر الجديد مع نمو الطبقة التجارية في المجتمع، ووجد الكهنة والرهبان الذين كانوا يمثلون معلمين دينيين للفلاحين أنهم لا يعرفون الكثير عن احتياجات الناس في هذه الطبقة الجديدة.^[٤]
• تغيرت الحياة اليومية للفرد العادي في النهضة، وبدأ الناس بالاستمتاع بالكماليات والملابس الجميلة وأصناف الطعام الفاخرة والفنون، وازداد عدد الحرفيين والتجار، لكن هذا لم يغير واقع أن الكثير من الناس استمروا في عيش حياة صعبة مليئة بروتين العمل والكد، ولم يحظَ المزارعون والفلاحون سوى بفرصٍ ضئيلة لتحسين أوضاعهم.^[٥]

صفات عصر النهضة في الجانب الثقافي

يُذكر منها:

• ركز الناس في عصر النهضة على الحياة وأنفسهم، وتمكنوا من الانفصال عن الكنيسة بفضل اختراع الطباعة وانتشار ترجمة الأعمال الأدبية، ولا سيما ترجمة الكتاب المقدس إلى اللغة العامية، وقد ساهمت الطباعة في فهم الكتاب المقدس بصورةٍ أفضل وإتاحة فرصة الاطلاع على الأعمال الأدبية، ولم يعني الانفصال التقليدي عن الكنيسة انفصال الناس عن التعاليم والأفكار الدينية آنذاك؛ حيث أُنتجت في عصر النهضة الكثير من الأعمال واللوحات ذات المواضيع الدينية، في نفس الوقت الذي اعتقد فيه رواد الحركة الإنسانية أنّ على الناس الزواج وتكوين العائلات والتركيز على الحياة والاستماع بملذاتها.^[٦]
• اعتبر مفكرو النهضة أنّ العصور الوسطى هي فترة تدهور ثقافي، وسعوا إلى تنشيط ثقافتهم من خلال العودة إلى النصوص والفلسفة الكلاسيكية، واستخدموها لخلق أسلوبهم الثقافي الخاص الذي أثر على إنجازاتهم الفنية والفلسفية والعلمية، وساهم هذا النشاط الثقافي الجديد في تحقيق إنجازات في علم الفلك والطباعة والفلسفة الإنسانية والكتابة باللغة العامية والرسم والنحت واستكشاف العالم والأدب (خصوصًا أعمال شكسبير في أواخر عصر النهضة).^[٣]
• ارتكزت ثقافة عصر النهضة في بعض جوانبها على الحركة الإنسانية، التي تؤكد على أنّ البشر هم أعظم خلق الله وأنهم يحظون بقيمةٍ هامة، على عكس الاعتقاد السائد سابقًا والذي كان ينظر إليهم على أنهم مخلوقات فاسدة.^[٧]

صفات عصر النهضة في الجانب الاقتصادي

يُذكر منها:

• تطور الاقتصاد الأوروبي بشكلٍ كبير خلال عصر النهضة، خاصة في مجال التجارة، مما أدى لتزايد أعداد السكان وتحسين الخدمات المصرفية وتوسيع طرق التجارة وابتكار أنظمة تصنيعٍ جديدة.^[٨]
• اعتبر التجار في عصر النهضة أنّ الإبحار وسيلة أفضل للسفر بدلاً من البر، بسبب قلة الطرق البرية التجارية في أوروبا وانتشار قطاع الطرق واللصوص في الطرق التجارية الجيدة، وقد زودت التجارة البحرية الأوروبيين بالتوابل من آسيا في الشرق، خاصة الفلفل وجوزة الطيب والقرفة، إضافة إلى الأحجار الكريمة والحرير الفاخر الذي استخدم في ملابس النساء، وكان المستثمرون في الغالب هم من يدفعون المال لقاء هذه الرحلات التجارية.^[٩]
• صدّرت التجارة العديد من الأفكار والسلع الجديدة إلى أوروبا، وأسهم ازدهار الاقتصاد في قيام المدن وطبقات اجتماعية ثرية تدعم الفن والتعليم، وبدأ الناس في عصر النهضة باستخدام العملات لشراء البضائع، وظهرت الحاجة لوجود أشخاصٍ متخصصين بالصرافة لصرف العملات المختلفة، كما ازدادت أهمية الحرفيين والتجار والمصرفيين في المجتمع؛ حيث كان الحرفيون يصنعون السلع التي تاجر بها التجار في جميع أنحاء أوروبا، بينما تولى المصرفيون مهمة صرف العملات وإقراض المال وتمويل الأعمال الخاصة.^[١٠]

صفات عصر النهضة في الجانب السياسي

يُذكر منها:^[١١]

• وُجدت في عصر النهضة ثلاثة أنظمة حكم أساسية، هي الإمارة والملكية والجمهورية التي تمثل حكم الأقلية (الأوليغارشية)، وفي نظام الإمارة، كان يتولى الحكم أمير ما، وكان يحظى بلقب دوق أو كونت أو مركيز أو لورد، وكان يُدعم عادةً من عائلتهِ، أما الملكية، فتتميز بامتدادها التاريخي ومؤسساتها القوية، وكانت تُنال غالبًا بالوراثة، وهي أكبر من الإمارة سلطةً، وتحكم مناطق تتحدث لغات ولهجات متعددة، وبخصوص الجمهوريات، فقد كانت أصغر الوحدات السياسية، وتتمثل بدول المدن المكونة من بلدة رئيسية أو مدينة، إلى جانب الأراضي المحيطة بها من المزارع والقرى.^[١٢]
• حظيت الأنظمة الملكية خلال أواخر العصور الوسطى وفي عصر النهضة بمزيدٍ من القوة والنفوذ، وعملت الممالك بين الأعوام 1350-1500 على توسيع أراضيها وثرواتها، واستطاعت تمويل جيوشها بشكلٍ أفضل وتوسيع حدودها.
• لطالما ارتبطت هوية الملوك بالحرب؛ حيث كان وجود الممالك الأوروبية في الأساس نتيجة الغزوات الجرمانية في نهاية العهد الروماني، وكانت العائلات الأوروبية النبيلة تفتخر بانتمائها إلى أمراء الحرب القدامى، وكانت الولاءات السياسية تقدم للملك وليس للأرض، وكانت الأراضي تكتسب عن طريق الزواج أو الحروب.

صفات عصر النهضة في الجانب الفلسفي

يُذكر منها:^[١٣]

• شهد عصر النهضة نقلة فلسفية من المسيحية وفلسفة السكولاستية (Scholasticism) الخاصة بالعصور الوسطى نحو الفلسفة الإنسانية (Humanism)، وازداد التركيز على الحياة والإنسان وما يستطيع تحقيقهُ بدلاً من اعتبار العالم مجرد بوابة إلى الحياة الآخرة.^[١٤]
• قام عصر النهضة على افتراضٍ أساسي مفاده أنّ إرث العصور القديمة هو وسيلة لا تقدر بثمن يمكن توظيفها لإصلاح الأضرار التي تلت سقوط الإمبراطورية الرومانية، وأنّ الله منح البشرية حقيقة واحدة، وقد حافظت أعمال الفلاسفة القدامى على جزءٍ أصلي من حقيقة الحكمة الإلهية.
• إحدى السمات المميزة لفلسفة عصر النهضة هي الاهتمام المتزايد بالمصادر القديمة التي تضم الفكر الروماني واليوناني، والتي كانت غير معروفة من قبل أو شائعة القراءة، وأدت إعادة دراسة الفلسفات الأفلاطونية المحدثة (Neoplatonism) والرواقية (Stoicism) والأبيقورية (Epicureanism) والشكوكية (Skepticism) إلى تآكل الإيمان في الحقيقة العالمية المتعلقة بالفلسفة الأرسطيّة، كما عملت على توسيع الأفق الفلسفي؛ الأمر الذي مهد الطريق أمام العلم والفلسفة الحديثة.

صفات عصر النهضة في الجانب الفكري والعلمي

يُذكر منها:

• اعتبرت الفردانية (Individualism) إحدى السمات الفكرية لعصر النهضة، وركزت على مبادئ الهوية الشخصية والأصالة والعبقرية، إضافة إلى تنمية القدرات والمواهب الفردية.^[١٥]
• كان الاستكشاف أحد إنجازات عصر النهضة، وقد فتح أمام التجارة الأوروبية أراضٍ وثقافاتٍ جديدة، وفي الوقت الذي وظف فيه الكثير من الفنانين والمفكرين مواهبهم للتعبير عن الأفكار الجديدة للنهضة، انطلق بعض الأوروبيين إلى البحار لاستكشاف العالم من حولهم، واكتشفوا طرقاً تجارية جديدة إلى الأمريكتين والهند والشرق الأقصى.^[١٦]
• هيمن الشعر والمسرحية على الأعمال الأدبية خلال عصر النهضة،^[١٧] ومن أهم المؤلفات خلال تلك الفترة: هاملت (وليام شكسبير)، الأمير (نيكولو مكيافيلي)، اليوتوبيا (توماس مور)، الفردوس المفقود (جون ملتون)، الكوميديا الإلهية (دانتي أليغييري)، دون كيخوتي (ميغيل دي ثيربانتس سابيدرا).^[١٨]
• بدأت الثورة العلمية مع قرب نهاية عصر النهضة، وظهرت إنجازات في العلوم والرياضيات، وحقق علماء مثل غاليليو غاليلي وإسحاق نيوتن اكتشافات غيرت العالم، وكانت الطباعة أهم اختراعٍ في عصر النهضة، وتمّ ذلك على يد الألماني يوهان غوتنبرغ في العام 1440، وبحلول العام 1500، انتشرت المطابع في جميع أنحاء أوروبا، مما ساعد على توزيع المنشورات التي تضم المعلومات على نطاقٍ أوسع، كما ساعد أيضًا في نشر الاكتشافات العلمية الجديدة ومشاركة العلماء أعمالهم مع بعضهم البعض.^[١٩]

صفات عصر النهضة في جانب الفن والعمارة

يُذكر منها:^[٢٠]

• تمثل الفن في عصر النهضة بعدة أشكال، مثل الرسم والنحت والعمارة والموسيقى، وتميز بتركيزهِ على الطبيعة والعصور الكلاسيكية والنظرة الفردية للإنسان.^[٢١]
• من أهم المبادئ التي قامت عليها المواضيع الفنية في عصر النهضة: الفردانية (التصوير الفردي للإنسان بدلاً من التركيز على المجموعات)، الدنيوية (التقليل من تصوير الكنائس في اللوحات)، الكلاسيكية (التأثر بالأعمال الرومانية واليونانية القديمة)، الواقعية (التمثيل الفني الذي يهدف إلى تحقيق الدقة البصرية).^[٢٢]
• اعتمدت العمارة في عصر النهضة على سمات العمارة الرومانية الكلاسيكية، وعملت على دمج تقنياتها مع جماليات عصر النهضة في تصميم الواجهات والأعمدة والأقواس والقباب والنوافذ والجدران؛^[٢٣] حيث تميزت مباني عصر النهضة بشكلها المربع أو المستطيل، وكانت واجهاتها متناسقة الشكل، وكانت الأعمدة ذات طرازٍ روماني، بينما تميزت الأسقف بشكلها المسطح.
• من الأمثلة على المباني التي تعود إلى عصر النهضة وتمتاز بسماتها المعمارية: كاتدرائية القديس بطرس البابوية، كنيسة سيستينا، قصر بيتي، قصر فارنيزي، الإسكوريال.

صفات أخرى لعصر النهضة

يُذكر منها:^[٢٤]

• ظهر في عصر النهضة مصطلح خاص هو "الموسوعي"، يستخدم للإشارة إلى الشخص الذي تتعدد خبراته ومواهبهُ في الكثير من المجالات، مثل ليوناردو دا فينشي الذي كان رسامًا ونحاتًا وعالمًا ومخترعًا ومهندسًا وكاتبًا في نفس الوقت، وميكيلانجيلو الذي كان رسامًا ونحاتًا ومهندسًا معماريًا.^[٢٥]
• امتازت النهضة بأنها عصر الفضول وحب المغامرة، وتمكن كولومبوس في القرن الخامس عشر من الوصول إلى أمريكا، واستطاع فاسكو دا غاما الوصول إلى الهند، إلى جانب حب المغامرة، كان حب الجمال من صفات عصر النهضة، وتنوعت معانيه بين جمال الثقافة والعالم المتحضر وجمال المرأة، وقد ظهر تأثير هذا خصوصًا في الأعمال الأدبية.
• شاعت الرغبة في نيل القوة وتحقيق الثروة في عصر النهضة، وتعتبر مسرحية الدكتور فوستوس التي ألفها كريستوفر مارلو أفضل مثال على واقع الحال آنذاك، وتحكي قصة البطل الذي باع روحه للوسيفر (إبليس) من أجل الحصول مقابلها على الثروة والقوة.