عوامل تطور النثر في العصر العباسي

الخلافة العباسية هي إمبراطورية إسلامية تواجدت في الفترة من 750م إلى 1258م، حيث كانت تتمركز في بغداد، وضمت في ذروتها معظم مناطق الشرق الأوسط، وكان الشعر والأدب من الطرق الهامة التي عبّر فيها العباسيون عن قيمهم الثقافية، وكان النثر شائعًا أيضًا في العصر العباسي، لأن العديد من القصص كان لها غرض مزدوج يتمثل في كونها مسلية وتعليمية، حيث تطور بشكل كبير خلال العصر، ويمكن إرجاع السبب الرئيسي لتطور النثر في العصر العباسي إلى الفترة الطويلة للحكم العباسي، وتعرض العرب للإنتاج الفكري الفارسي والهندي واليوناني ورعاية ودعم الخلفاء العباسيين.^[١][٢]

عوامل تطور النثر في العصر العباسي

العوامل التي أثرت في تطور النثر في العصر العباسي:^[٣][٤]

• ظهور حركة الترجمة وازدهارها والتي ساعدت على الامتزاج الثقافي والتأثر بالأدب الأجنبي من الفرس واليونان والهند.
• قدرة النثر على استيعاب الثقافات الوافدة إلى البيئة العربية.
• تأثر النثر العباسي بالنثر الأموي والإسلامي.
• تأثر النثر ببلاغة القرآن الكريم والحديث النبوي الشريف.
• قوة اللغة العربية ورقيها والاهتمام بها خلال العصر العباسي.
• تم استبعاد الألفاظ البدوية الغريبة من الحضارة، مع العناية بفصاحة اللفظ وجزالته.
• تفاعل النثر مع ثقافات العصر المختلفة مع احتفاظه بمقوماته الأصيلة فلم يحدث الازدواج اللغوي الذي يعرض اللغة للضياع.
• تطور مظاهر الحياة وتعقد قضايا الفكر والثقافة، وارتقاء شؤون الحكم والسياسة وأساليب الإدارة، إضافة إلى العلوم والفنون المستجدة، إما بفعل التطور الداخلي، وإما بطريق الترجمة.
• انتشار الواعظين ورواة القصص في المساجد والساحات العامة وتجمع الناس حولهم.
• شهد العصر ترجمة العديد من الأعمال الأجنبية إلى العربية، وأنشأ المأمون مكتب ترجمة في بيت الحكمة في بغداد، وهذا أتاح للعرب الوصول إلى التراث الفكري لمختلف شعوب العالم، والنتيجة هي ثورة من الكتابات النثرية في شكل خطب وقصص قصيرة وحكايات ورسائل.^[٢]

خصائص النثر في العصر العباسي

تميز النثر خلال العصر العباسي بعدة سمات ومنها:^[٥][٦]

• سهولة اللفظ ووضوح الأفكار والمعاني والإيجاز.
• المزج بين السرد والإنشاء واستخدام الحوار والمزج.
• الأسلوب الخطابي والإيقاع الموسيقي.
• ظهرت آثار المدنية العباسية والفكر العباسي في فن النثر أكثر من الشعر.
• تعددت فنون الكتابة وظهرت التصانيف العلمية والأدبية مثل المقالات، والمناظرات، والعهود، والمقامات.
• أصبح النثر متعدد الفروع، فهناك النثر العلمي، والنثر الفلسفي، والنثر التاريخي، والنثر الأدبي الخالص.
• ظهر أثر العلوم والفلسفة في النثر العباسي، ولذلك اتسع مجال التفكير وظهرت المنهجية وعني الكتاب بربط الأسباب بالمسببات.
• تأثرت الكتابة بالآداب الفارسية فمالت إلى السهولة والتأنق وإطالة المقدمة والتنويع في المقدمة والخاتمة.
• ظهور الأعمال الضخمة في مختلف المجالات مثل الفلسفة، والطب، والتاريخ، والسيرة، والجغرافيا، والتفسير القرآني، وعلم الحيوان، وعلم الفلك، والفقه.^[٢]

نماذج من النثر في العصر العباسي

شهد النثر الأدبي ظهور أعمال بارزة تعتبر حتى يومنا هذا من الكتب الأدبية المتميزة:^[٢]

• كتب عبد الله بن المقفع كليلة ودمنة، وهي سلسلة من الخرافات التربوية المترجمة من الفارسية إلى العربية وهي عمل بارز في تلك الفترة.
• كتب الجاحظ كتاب الحيوان، وكتاب البخلاء، وكتاب البيان والتبيين، حيث أثارت مؤلفاته الدقة في النثر العربي.
• كتاب ألف ليلة وليلة.
• ابن قتيبة مؤلف كتاب المعرفة.
• أضاف بديع الزمان شكلاً أدبياً جديداً، وهو المقامات إلى التراث الأدبي لتلك الفترة.
• اتبع الحريري خطى بديع زمان من خلال عمل مماثل يركز بشكل كبير على إبراز الكفاءات اللغوية للمؤلف.
• من بين المساهمين المهمين الآخرين في تطوير النثر: ابن العامود وعدة آخرين.

من أهم وأشهر نصوص النثر من العصر العباسي

• جاء في كتاب البيان والتبيين خطبة عبدالله بن المقفع: وليكن في صدر كلامك دليل على حاجتك، كما أن خير أبيات الشعر البيت الذي إذا سمعت صدره عرفت قافيته، فكأنه يقول فرق بين صدر خطبة النكاح، وبين صدر خطبة العيد، وخطبة الصلح، وخطبة المواهب، حتى يكون لكل فن من ذلك صدر يدل على عجزه، فإنه لا خير في كلام لا يدل على معناه، ولا يشير إلى مغزاه، وإلى العمود الذي بسطت إليه والغرض الذي نزعت إليه.^[٧]
• من كتاب الأدب الكبير لابن المقفع: إن رأيت نفسك تصاغرت إليها الدنيا، أو دعتك إلى الزهادة فيها على حال تعذر من الدنيا عليك فلا يغرنك ذلك من نفسك على تلك الحال، فإنها ليست بزهادة، ولكنها ضجر واستخذاء وتغير نفس عندما أعجزك من الدنيا وغضب منك عليها مما التوى عليك منها. ولو تممت على رفضها وأمسكت عن طلبها أوشكت أن ترى من نفسك من الضجر والجزع أشد من ضجرك الأول بأضعاف ولكنها إذا دعتك نفسك إلى رفض الدنيا وهي مقبلة عليك، فأسرع إلى إجابتها.^[٨]
• من رسالة سهل بن هارون في البخل: بسم الله الرحمن الرحيم، أصلح الله أمركم، وجمع شملكم، وعلمكم الخير وجعلكم من أهله، قال الأحنف بن قيس: يا معشر بني تميم، لا تسرعوا إلى الفتنة فإن أسرع الناس إلى القتال أقلهم حياء من الفرار، وقد كانوا يقولون: إذا أردت أن ترى العيوب جمة فتأمل عيابا، فإنه إنما يعيب الناس بفضل ما فيه من العيب، أعيب العيب أن تعيب ما ليس بعيب، وقبيح أن تنهي مرشدا وأن تغري بمشفق.^[٩]