ماذا يعني مفهوم العصر؟

إن كلمة العصر بذاتها لها معانٍ مختلفة تختلف باختلاف السياق، فالعصرُ هو الدهر، أما العصرُ في التاريخ فهو الزمن الذي يُنسبُ إلى ملكٍ أو دولةٍ أو أحداثٍ بارزة أو اكتشافاتٍ وتطوراتٍ غيّرت وجه العالم، ويستطيع المؤرخون تقسيمه وتحديد بدايته ونهايته وفقاً لأوجه الشبه ضمن هذا الإطار الزمني كأن يُقال مثلاً: العصر الحجريّ وعصر الخلفاء الراشدين وعصر المعلوماتية وما إلى ذلك، ومن السهل تمييز بداية ونهاية عصرٍ ما، فالكساد الكبير مثلاً كان في ثلاثينيات القرن الماضي، ولكن لا يمكن تمييز كل العصور بالوضوح ذاته وهناك الكثير من الجدل بين المؤرخين حول حقيقة الإطار الزمني لبعض العصور.^[١][٢]

الخط الزمني للعصور التاريخية

إن وجود الإنسان على هذا الكوكب يعود لتاريخٍ يقدّر بآلاف السنين، وقد تطورّ البشر عبرها على جميع الأصعدة، وقد قسمّها المؤرخون إلى فترات وعصور، ومن أكثر الطرق شيوعاً لتصنيف العصور التاريخية هو إدراجها في خمسة فتراتٍ أساسية: عصور ما قبل التاريخ (قبل التاريخ المكتوب)، والعصور القديمة، والمتوسطة، والحديثة، والتاريخ المعاصر.^[٣]

عصور ما قبل التاريخ

تمتد العصور القديمة من عام 2.5 مليون سنة قبل الميلاد، وحتى 600 قبل الميلاد، وتعدّ المعادن المستخدمة في تصنيع الأدوات التي احتاجها الإنسان حينها السبب الأساسي في إطلاق المسميات التالية عليها، حيث يتم تقسيمها إلى ثلاث فتراتٍ رئيسية، وهي:^[٤]

• العصر الحجري:
• بدأ هذا العصر حوالي عام 2.5 مليون قبل الميلاد، ويتميز بالإبداع غير المسبوق الذي أظهره الإنسان في تصنيع الأدوات الحجرية واستخدامها، وهذا هو السبب الرئيسيّ لتسميته بهذا الاسم كما ذكرنا.
• يقسّم المؤرخون هذا العصر عادةً إلى ثلاثة فتراتٍ أصغر، وهي العصر الحجري القديم، والعصر الميزوليتي، والعصر الحجري الحديث، والأساس المعتمد لهذا التصنيف هو التباين والاختلاف في درجة تطور ورُقيّ الأدوات المستخدمة بين فترة وأخرى من هذه الفترات الزمنية.
• ينتهي هذا العصر في 3000 قبل الميلاد ليبدأ عصرٌ مختلف يشهدُ تحديثاً جديداً على طريقة صنع الإنسان لأدواته حيث تندثر كل هذه الأدوات الحجرية ويحلّ مكانها معادن أخرى.^[٥]
• العصر البرونزي:
• بدأ هذا العصر عند نهاية العصر الحجري عام 3000 قبل الميلاد، ويُعتقدُ أنّ السومريين القدماء الذين تواجدوا في منطقة الشرق الأوسط هم أول من انتقلوا زمنياً من حضارات تلك الفترة ليدخلوا العصر البرونزي.
• النقطة الفارقة التي نقلتنا من عصرٍ إلى آخر كانت بالأساس تحول الإنسان إلى العمل في المعادن واستخدامها لتصنيع أدواته، فتظهر لدينا في هذه الفترة أسلحةٌ وأدواتٌ مصنوعةٌ من المعدن والبرونز التي تحلّ محل سابقاتها المصنوعة من الحجر.
• حقق البشر في هذا العصر العديد من الإنجازات أيضاً، منها اختراع العجلة وأنظمة الكتابة الأولى، لكن المؤرخين يخبروننا أن هذا العصر ينتهي بشكل مفاجئ حوالي عام 1300 قبل الميلاد بانهيار متوازٍ للعديد من الحضارات البارزة في العصر البرونزي.^[٦]
• العصر الحديدي:
• بدأ هذا العصر عام 1200 قبل الميلاد، ويتميّز بأنّ الناس بدأوا فيه بتصنيع الأسلحة والأدوات من الحديد والصلب.
• في البداية كان الناس يعتقدون بأنّه معدنٌ أقلّ قيمة لأن الأدوات التي تُصنع منه لم تكن بالمتانة التي يتمتّع بها البرونز، ولكن بحلول الوقت الذي تعلّم الناس فيه صنع الفولاذ والذي يعرف بكونه معدناً أشدّ صلابة ينتج عن تسخين الحديد بالكربون، بدأ استخدام الحديد ينتشر أكثر حين عُرفت قيمة الأدوات المصنوعة منه، واتّضح مدى متانتها وفعاليتها، وانتهى هذا العصر عام 600 قبل الميلاد.^[٧][٨]

العصور الوسطى

تعدّ العصور الوسطى واحدةً من الفترات غير المستقرة التي استمرت ما يقارب الألف عام، وبدأت بانهيار الإمبراطورية الرومانية الغربية عام 476م، ثم استمرّت حتى حوالي عام 1450م، وتتميز هذه الفترة بمجموعةٍ من السّمات التي تباينت بشكلٍ كبير من مكانٍ إلى آخر في هذا العالم.^[٩]

• في هذا الوقت ظهر الإسلام في الشرق الأوسط، وبدأ ينتشر بشكل كبير بين الناس، وعند وفاة النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- قامت الجيوش الإسلامية بغزو معظم بلدان الشرق الأوسط، ووحّدتها تحت حكم خليفةٍ واحد، وحين أصبح العالم الإسلامي في أوج ازدهاره، وانتشاره.
• صاحب ذلك التوسع ازدهارٌ في الحياة الفكرية تحديداً في بعض المدن مثل القاهرة وبغداد ودمشق، وفي نفس الوقت تمكّن المخترعون المسلمون من ابتكار العديد من التقنيات منها الكاميرا ذات الثقب، والصابون، وطواحين الهواء، والأدوات الجراحية، وآلة الطيران المبكر، ونظام الأرقام الذي لا زلنا نستخدمه إلى يومنا هذا.
• قام العلماء المسلمون أيضاً بترجمة نصوص من اليونانية والإيرانية والهندية إلى العربية؛ ما أغنى المكتبة العربية وشكّل قاعدة معرفية ضخمة، أما علماء الدين فترجموا وفسّروا النصوص الدينية، وعلّموا القرآن للناس في جميع أنحاء الشرق الأوسط.
• في مكانٍ آخر من العالم كانت الكنيسة الكاثوليكية في أوروبا قد أصبحت أقوى مؤسسة في العصور الوسطى، وكانت تفرض وقتها ما مقداره العشر من أرباح كل فردٍ عاديّ كضرائب للكنيسة تُدفع بشكلٍ سنويّ، بينما كانت الكنيسة معفاةً من أغلب الضرائب؛ ما مكّنها من جمع الكثير من المال، والذي أكسبها بالتأكيد السلطة والأهمية السياسية أيضاً، وكانت الكاتدرائيات في ذلك الوقت هي أكبر المباني في أوروبا.
• بدأت بعدها الكنيسة الكاثوليكية بالسماح بالبعثات العسكرية أو ما سمي بالحروب الصليبية، وذلك ابتداءً من عام 1095 لطرد المسلمين من الأراضي المقدسة، وتحرّك المواطنون من أجل هذا الهدف بدوافع مختلفة منها أخروية حيث اقتنعوا بأن هذه التضحية ستضمن لهم مكاناً أبدياً أكيداً في الجنة، ومنها أيضاً حصولهم على بعض المكافآت الدنيوية كالحماية البابوية لممتلكاتهم والتسامح مع بعض أنواع القروض التي كانت تثقلهم.
• كما كان من أبرز الأحداث وأسوأها في الذاكرة البشرية، مرض الطاعون والذي سمي بالموت الأسود الذي سببته أحد أنواع البكتيريا التي تتكاثر وتنمو داخل القوارض كالفئران ثم تنتقل إلى الإنسان بطرق مباشرة وغير مباشرة، ولم يتم تحديد المكان الذي بدأ منه هذا المرض إلا أنه انتشر كالنار في الهشيم بين عامي 1347 و1350 في مساحات واسعة، فقتل في أوروبا وحدها حوالي 20 مليون شخصاً أي ما يعادل ثلث سكان القارة.^[١٠]

العصر الحديث

يعتبر المؤرخون أن هذا العصر يبدأ حوالي عام 1500 ميلادياً ويستمر حتى وقتنا الحالي، ويعد هذا العصر أكثر وضوحاً للمؤرخين، وهو زاخرٌ بالأحداث والتغيرات، فمن أبرز الأحداث التي تميّزه:^[١١]

• النهضة الأوروبية الثقافية، والتي بدأت مع بداية هذا العصر، وشملت الأدب والفنون والموسيقى وجوانب أخرى إلى جانب ثورة فكرية تمثلت بإعادة التفكير في الدين والعادات والتقاليد ما نتج عنه الكثير من التغيرات على المستوى المجتمعيّ.^[١٢]
• الثورة الصناعية الأولى، والتي بدأت بظهور العديد من الاختراعات التي ساهمت في تسهيل وتسريع إنتاج الكثير من السلع التي كان يُعتمد في إنتاجها على الصناعة اليدوية، فساهمت هذه الثورة في تحويل عدد كبير من المجتمعات الريفية التي تقطن أمريكا وأوروبا عامةً إلى مجتمعات حضرية صناعية تمتهن العمل في المصانع بدلاً من الفلاحة ويُعتقد أنها انتهت حوالي عام 1840.^[١٣][١٤]
• الثورة الصناعية الثانية، والتي بدأت عام 1869م ويميّزها عن سابقتها ما رافقها من ثورة تكنولوجية، فقد انبثقت إلى النور الكثير من الاختراعات العظيمة التي غيرت مصير البشرية فيها مثل المصباح الكهربائي والهاتف والطائرة.^[١٣]
• الكساد الكبير (1929م إلى 1939م):
• وهي فترة الفشل الاقتصادي الشديد التي ضربت معظم دول العالم، واستمرت من عام 1929م حتى الحرب العالمية الثانية.
• تعود بدايات الكساد العظيم إلى ما حدث في الولايات المتحدة من انهيار بورصة نيويورك في 29 أكتوبر 1929م، والمعروف أيضاً باسم الثلاثاء الأسود.
• كان من تداعيات هذا الانهيار أن خسرت العديد من الشركات والبنوك وأغلقت أبوابها؛ مما أدى إلى فقدان ملايين الأشخاص لوظائفهم، وهذا ما أدى بالتأكيد إلى ارتفاع معدّلات البطالة بطريقةٍ غير مسبوقة.
• وفي محاولة لتدارك الآثار المدمّرة التي لحقت باقتصاد البلاد، بذلت الحكومات جهوداً كبيرة، وأطلقت العديد من البرامج لتحسين الوضع وتقليل البطالة وإعادة إنعاش الاقتصاد، وكانت هذه البرامج فعّالةً إلى حدٍ ما، ولكنها لم تستطع إنهاء المشكلة تماماً، بل كان الحل الذي أعاد الروح للاقتصاد وأنهى الكساد الكبير فعلياً هو التركيز على الإنتاج الصناعي للحرب.^[١٥]
• الحروب العالمية:
• الحرب العالمية الأولى، والتي امتدت ما يقارب أربعة أعوام، وبدأت بعد اغتيال الأرشيدوق فرانز فرديناند من النمسا عام 1914م، وهذا ما يعدّ السبب الرئيسي الذي أشعل فتيل الحرب، التي تركّز فيها الصراع العالمي في أوروبا، كما أنها انتهت عام 1918م حين أعلنت دول الحلفاء النصر، وفي ذلك الوقت كان أكثر من 16 مليون شخصاً من الجنود والمدنيين على حد سواء قد لقوا مصرعهم في هذه الحرب.^[١٦]
• الحرب العالمية الثانية، والتي تبعت سابقتها بعدّة سنوات أي بدءاً من عام 1939م حين قامت ألمانيا بغزو بولندا،^[١٧] ومن هنا كانت بداية الحرب التي امتدت حتى عام 1945م، وكانت نهاية هذه الحرب باستسلام اليابان وخسارة ما يقارب 50 مليون روحاً بشرية، ولهذا تعدّ هذه الحروب صراعاتٍ ملحميّةٍ بين تحالفاتٍ كبيرة أرهقت البلدان المشاركة فيها، وتسببت بالكثير من الخسائر المؤسفة حتى للأطراف التي عدّت منتصرة فيها.^[١٨][١٩]
• ثورة المعلومات:
• أصبح الإنترنت متاحاً للأفراد العاديين بعد أن كان محصوراً في النطاق الحكومي والعسكري بعد عام 1984م٬ ولهذا انتشرت أجهزة الحاسوب الشخصية على نطاق واسع في الثمانينات وأصبحت أشكال جديدة من الترفيه والتجارة والبحث والعمل والاتصالات شائعة بين الناس.
• سرعان ما اكتشفت الشركات أنه يمكن إنجاز العمل في المنزل وتقديمه عبر الإنترنت، وأن هذا من الممكن أن يوفر الكثير من ميزانيتها، لذلك بدأت فئة جديدة كاملة من العاملين بالعمل عن بُعد من أجل كسب لقمة العيش من المكاتب المنزلية.^[٢٠]