اكتشف ما هي الحضارة النطوفية

الحضارة النطوفية (The Natufian culture) هي حضارة نشأت في منطقة فلسطين وما حولها في العصر الحجري الوسيط 8000 ق.م-14000ق.م، وهي تعتبر مرحلة انتقالية ما بين العصر الحجري القديم والعصر الحجري الجديد، وتعتبر الحضارة النطوفية من أقدم الحضارات وأهمها فهي الأولى في التاريخ من ناحية أول خطوة للإنسان في بناء مجتمع زراعي، وقد اكتشفت الحضارة النطوفية لأول مرة على يد المنقبة دورثي غاورد سنة 1928م في الكهف المعروف باسم (مغارة شقبا).^[١][٢]

نشأة الحضارة النطوفية

أين نشأت

بداية النشأة: نشأت الحضارة النطوفية في فلسطين وتحديداً في شمال القدس، ولكنها امتدت إلى أن شملت بلاد الشام ومصر والعراق.^[٣]

سبب التسمية: سمي النطوفيون بهذا الاسم نسبة إلى مغائر النطوف التي تقع في شمال القدس، وهذه الحضارة انتقلت فيما بعد إلى الساحل الفلسطيني.^[٤]

البقعة الجغرافية النهائية: شملت الحضارة النطوفية بلاد الشام أجمع وبلاد الرافدين، وأصبحت أيضاً تعرف بأنها حضارة شامية الأصل ولكن انتقلت فيما بعد إلى أن وصلت للأناضول.^[٥][٦]

مراحل نشأتها

فيما يلي مراحل نشأة وتطور الحضارة النطوفية:

مرحلة العيش في الكهوف: قبل مرحلة العصر الحجري الوسيط عاش النطوفيون في كهوف، واعتمدوا على الصيد والتنقل لكسب قوتهم اليومي، ومثال على هذه الكهوف، كهف مغارة شقبا، وقد ظهرت أهمية الحضارة النطوفية عندما تم اكتشاف آثارها من قِبل عالمي الآثار قبل نحو 70 عاماً في الكهوف، ومثال على هذه الكهوف كهف الواد.^[٧][٨]

مرحلة خروج النطوفيين من الكهوف: وهي مرحلة تتميز بالتطور الجذري الذي حدث للإنسان وهو خروجه من الكهف لمرحلة بناء الكوخ، وهي مرحلة تتسم بالاستقرار والانتقال لنمط حياة جديدة، وقد أصبح لعِلم الآثار وجهة النظر بأن المجتمع النطوفي هو أول مجتمع إنساني يقوم بتطوير اقتصاده ويعمل يده أيضاً.^[٧][٩]

مرحلة العيش في أكواخ: في مرحلة العصر الحجري الوسيط وعندما استقر النطوفيون في بيوتهم المتطورة ومتقنة الصنع، بدأ النطوفيون في اكتشاف الجوانب الفنية وغيرها، وفيما بعد انتقل النطوفيون للعيش في سواحل البحر الأبيض المتوسط.^[١٠]

أهم الجوانب الاقتصادية للحضارة النطوفية

الجانب التجاري

نذكر في ما يلي أهم المعلومات التي تخص الجانب التجاري عند النطوفيين:^[١١]

• عرف النطوفيون التجارة، ولعل أقدم اتصال تجاري بين فلسطين ومصر حدث في الفترة النطوفية.
• تاجر النطوفيون بالقمح من فلسطين إلى مصر، فقد عُرف المجتمع الزراعي من خلال النطوفيين.
• نُقل عن الأستاذ وليم نظير أن المهاجرين أتوا من فلسطين إلى مصر حاملين معهم القمح وقاموا بزراعته في مصر.
• انتشر القمح بدايةً من فلسطين وانتشر وصولاً إلى أوروبا.

الجانب الزراعي

نذكر في ما يلي بعض المميزات التي تخص الجانب الزراعي عند الحضارة النطوفية:

• اكتشاف الجانب الزراعي أدى إلى حدوث تغير جذري في أسلوب الحياة القديم، وخلال هذه الفترة لم تكن الأرض قاحلة وجافة بل على العكس؛ فقد كانت مليئة بالمناظر الطبيعية ومع ذلك لا يوجد دليل قاطع عن كيفية اكتشاف النطوفيين للجانب الزراعي.^[١٢]
• لا أحد حتى الآن يعلم كيف تعلم النطوفيون الزراعة ولكن من المحتمل أن يكون هو محض اكتشاف حدث عن طريق الصدفة ولكن الأكيد هو أن الثقافة النطوفية لعبت دوراً رئيسيا في ظهور المجتمعات الزراعية.^[١٣][١٤]
• مع بداية العصر الحجري الحديث تطور النطوفيون في أسلوب حياتهم، وبدأ اعتمادهم على الزراعة والصيد يزداد، فكما يبدو بأن الإنسان في ذلك الوقت كان ما يزال يعتمد على الحيوانات كما في مدينة أريحا في فلسطين؛ فقد كانوا يقومون بتربية الحيوانات كالكلاب والماعز، وإلى جانب ذلك فقد كانوا يزرعون النباتات كالقمح، العدس، والنباتات العلفية، والشعير، والبازيلاء.^[١٥][١٦]

الجانب الصناعي

خضعت الحضارة النطوفية لتغيرات ملحوظة في الجانب التكنولوجي والجانب الصناعي، وفي ما يلي ذكر لبعض هذه التطورات:

• أهم أداة اخترعها النطوفيون هي المنجل، وهي تستخدم في الزراعة وحصاد الحبوب المزروعة.^[١٧]
• التغيرات التي حدثت من جانب التكنولوجيا، والاستقرار وما إلى ذلك من تطور هي مراحل أساسية للتحول من العصر الحجري للعصر الحديث، من مجتمع بدائي يعتمد على الصيد إلى مجتمع حضري يعتمد على الزراعة والصناعة.^[١٧]
• ترك النطوفيون آثاراً كثيرة تدل على وجود هذه الحضارة العريقة التي امتدت لتشمل خارج فلسطين أيضاً، كما أن بقايا وآثار هذه الثقافة وجدت في مغارة الحمام في الجليل الأعلى، وسهل الحولة وغيرها.^[١٨][١٦]

الجانب الفني والأدبي للحضارة النطوفية

الفنون والعمارة

شكلت الحضارة النطوفية تغييراً ثقافياً كبيراً على صعيد الهندسة المعمارية، والتطور الفني،^[١٧] ومن أهم هذه التغييرات نذكر ما يلي:

• الجانب الفني: كان للنطوفين اتجاه فني، ومن خلاله حاول الإنسان النطوفي أن يحاكي ما حوله من الكائنات الحية عن طريق حفرها على العظام والحجار، كما استعمل النطوفيون عظام الحيوانات والصدف وما إلى ذلك لصنع أدوات الزينة، كما عُرف النطوفيون أيضاً بصنع التماثيل الرملية والتي اكتشفها علماء الآثار في مغارة الزويتيني، وغيرها من الفنون كالنحت على عظام الحيوانات في منطقة وادي فلاح.^[١٩][٢٠]
• الجانب المعماري: كانت بيوت النطوفين متطورة ودقيقة الصنع وهذا دليل على الانتقالة النوعية التي شهدها النطوفيون،^[٢١] واستمرت حفريات الحضارة النطوفية في جذب الكثير من علماء الآثار في خمسينات القرن الماضي،^[٨] كما تم العثور على موقع يحتوي على آثار أو بقايا قرية، وهذه الآثار المعمارية التي اكتشفت تدل على أن المجتمع النطوفي كان مجتمعاً منظماً آنذاك.^[١٦]

أهم إنجازات الحضارة الأخرى

نذكر منها:

• تتميز الثقافة النطوفية بالتطور الجذري الذي حدث للإنسان وهو خروجه من مرحلة الكهف لمرحلة بناء الكوخ.^[٢٢]
• الحضارة النطوفية تشكل تغيراً ثقافياً كبيراً على صعيد الهندسة المعمارية، وعادات الدفن المبتكرة، والتطور الفني وما إلى ذلك من تطورات شهدتها الحضارة النطوفية.^[٢٣]
• ترك النطوفيون آثاراً كثيرة تدل على وجود هذه الحضارة الفلسطينية العريقة، وتم العثور على أكثر من 4000 قطعة أثرية في أحد كهوف الكرمل في جبال الكرمل الواقعة في فلسطين.^[٢٣]

معلومات أخرى عن الحضارة النطوفية

أشهر مدن الحضارة

اشتهرت الحضارة النطوفية بمدن شملتها الحضارة النطوفية، ومن أهم هذه المدن:

• مهدت الحضارة النطوفية طريقها من فلسطين وتحديداً القدس إلى أن وصلت الأردن وعمت بلاد الشام لاحقا وصولاً إلى مصر وسواحل البحر المتوسط. ولكن تعتبر فلسطين هي منبع الحضارة.^[٢٤]
• لاحقاً تم اكتشاف قرى نطوفية عديدة في سوريا، ووادي الحمة في الأردن، وحلوان في مصر، وأبو هريرة في سوريا، وغيرها في بلاد الرافدين، وقد حوت جميعها على سمات عامة مشتركة كالبناء وحجمه وما إلى ذلك، وهذا يدل على أن الحضارة النطوفية أصلها فلسطيني.^[٢٥]

لغة الحضارة

ذُكر في مصادر تاريخية بأن الفلسطينيين النطوفيين أصلهم من العرب، وهم ينسبون لقبائل العرب؛ أي أن لغتهم كانت العربية، ويشار إلى أن هيرودوت الملقب بأبي التاريخ عندما قام بزيارة فلسطين في القرن الخامس ما قبل الميلاد لم يجد ما يُزعم بالحضارة الإسرائيلية النطوفية من هيكل وحضارة إسرائيلية وغيرها من الأقوال، ويذكر بأن كلمة (كنع) أو (خنع) هي كلمة أصلها عربي قديم، ومعناها الأرض المنخفضة، ويرى البعض بأنها تنسب إلى الجد الأول كنعان.^[٢٦]

ديانة الحضارة

تطور الجانب الديني مع انتقال النطوفيين من الكهوف إلى الأكواخ وقد شمل التطور ما يلي:

• كان النطوفيون يؤمنون في الحياة ما بعد الموت، وقد كانوا يقدمون الطعام للأمواتهم بجانب أدوات الزينة التي تزين قبور موتاهم.^[٢٧]
• كان النطوفيون في هذه الفترة يمجدون أسلافهم وأجدادهم القدامى، فقد كانوا يحتفظون بجماجمهم التي كانت مفصولة عن أجساد موتاهم، وقد تم العثور على جماجم في منطقة أريحا تعود للعصر النطوفي.^[٢٨]
• بالنسبة لعبادتهم فقد كانوا يعبدون القمر لأنه ألطف من الشمس نظراً لكونهم في بلاد حارة وجافة نوعاً ما.^[٢٨]

تاريخ وأسباب سقوط الحضارة النطوفية

يعتبر سبب سقوط الحضارة النطوفية مجهولاً إلى الآن، إلا أنه من الممكن أن يكون بسبب عوامل طبيعية كالزلازل وغيرها، ولكن ذكرت عالمة الآثار البريطانية المشهورة كاثلين كينيون بأن هجرة سكنية قد تكون حدثت آنذاك بين عصرهم والعصر الذي يليه هو السبب، ولكن الشيء المؤكد هو أن الحضارة النطوفية قد دامت قرابة 8 ـ 10 آلاف سنة ق.م، وهي حضارة دامت لأجيال ابتدأت من أصحاب الكهوف وصولاً إلى المزارعين والحضريين، وإلى سكان الساحل الأبيض المتوسط، إلى أن شمل بلاد الشام ومصر والعراق.^[٢٩][٣٠]