ولد أخناتون في حوالي العام 1380 ق.م، وهو أحد الفراعنة الذين حكموا مصر في عهد الأسرة 18، وكان الابن الثاني للفرعون أمنحوتب الثالث، وغير أخناتون اسمه الحقيقي (أمنحوتب الرابع) بعد اعتناقهِ مذهبًا جديدًا في الديانة المصرية القديمة قائماً على عبادة إله الشمس آتون وحده، وتزوج أخناتون من نفرتيتي، التي شاركته الحكم وكانت أقوى الشخصيات نفوذًا في مصر بعده، وكان من ضمن إصلاحاته الدينية بناء المعابد لآتون، والتخلص من بعض الآلهة المصرية في النقوش، ولم يكن المصريون القدماء والكهنة راضين عن أفعالهِ هذه.[١][٢]


عاصمة أخناتون

في منتصف القرن 14 ق.م، بدأ الملك أخناتون بعبادة إله الشمس آتون وحده، مما أدى إلى القضاء على تقاليد دينية مصرية قديمة عمرها آلاف السنين،[٣] وفي السنة الخامسة من حكمهِ، غير أخناتون اسمهُ من أمنحوتب الرابع، وغير اسم زوجتهِ نفرتيتي ليصبح نفرنفراتون، وقام بنفس العام بعددٍ من الإصلاحات والتغييرات، مثل نقل عاصمة الحضارة المصرية من مدينة طيبة لتصبح في تل العمارنة، وأطلق على العاصمة الجديدة اسم (أخيتاتون)، وقد أسس أخناتون هذه العاصمة الجديد بناءً على رؤيتهِ الشخصية للإله آتون، ومن أهم ما يُذكر عن العاصمة أخيتاتون (تل العمارنة):[٤][٥]

  • تقع مدينة أخيتاتون، العاصمة الجديدة لأخناتون، على بعد 300 كم شمال مدينة طيبة، وتمّ تشييد المدينة في العام 1346 ق.م في وسط مصر على الضفة الشرقية لنهر النيل.
  • اختير موقع أخيتاتون ليكون في منتصف الطريق بين العواصم المصرية القديمة المركزية، وهي ممفيس في الشمال وطيبة في الجنوب،[٦] كما شيدت لوحاتٌ حدودية في محيط المدينة لتحكي قصة تأسيسها.
  • وعن قصة اختيار الملك أخناتون لموقع عاصمته الجديد؛ يروى أنه كان مسافرًا شمال مدينة طيبة، وقد رأى الشمس تشرق بين جبلين، وقد كان هذا المنظر رمزًا هيروغلوفيًا للأفق، وقرر أخناتون حينها بناء عاصمتهِ الجديدة في نفس الموقع، وأسماها (أخيتاتون)، الذي يعني أفق آتون، وقد سمي الموقع (تل العمارنة) بسبب تسمية عهد أخناتون بحقبة العمارنة.[٣]


الحياة في تل العمارنة

من أبرز جوانبها:

الحياة الدينية

من أهم ما يُذكر عنها:[٧]

  • أخناتون أول موحّد: تُعد الإصلاحات الدينية التي قام بها أخناتون أول نموذج يتبنى مبدأ التوحيد الديني في تاريخ العالم، وقد أطلق عليه بسببه "الملك المهرطق"؛ أي المنشق عن عقيدتهِ.
  • أخيتاتون مدينة الآلهة: بعد إصلاحات أخناتون الدينية، أغلقت جميع معابد الآلهة المصرية، باستثناء المعابد المخصصة للإله آتون، وتعرضت الشعائر الدينية للحظر أو التضييق الشديد، وتلى ذلك نقل عاصمة مصر من طيبة إلى أخيتاتون؛ التي كانت في الأصل مدينةً مبنيةً للإله آتون بشكلٍ رئيسي، وليس للمواطنين من المصريين القدماء.
  • تأثير معتقد أخناتون الجديد: تزامن اعتناق أخناتون لمعتقداتهِ التوحيدية الجديدة مع قيامه بقمع معتقدات الآخرين، ورحل أخناتون إلى مدينة الإله آتون، وجسد هو نفسه صورة الإله، وكرس نفسه في المدينة لعبادة آتون والتقرب إليه، وكان يعتبرهُ أبًا سماويًا له، وتأثرت حياة المصريين القدماء بمعتقد أخناتون الجديد، وتسبب ذلك بجعل كلٍ من حياتهم الاجتماعية، وعقود التجارة، والتحالفات مع القوى الأجنبية، وصيانة البنى التحتية والجيش، مجرد اهتماماتٍ ثانوية في نظرهِ مقارنةً بولائه الديني المخصص لآتون.
  • سقوط أخيتاتون على يد خلائف أخناتون: لم تستمر مظاهر الإصلاحات الدينية لأخناتون بعد وفاتهِ؛ فقد تخلص منها ابنه الذي خلفهُ في الحكم توت عنخ آمون (1336-1327 ق.م)، وأعاد الممارسات الدينية المصرية على حالها قبل والدهِ، وبسبب وفاة توت عنخ آمون في سنٍ مبكر، توقفت الجهود لتغيير الإرث الديني لأخناتون لوقتٍ قصير، ولكنها عادت لتستمر بقوةٍ على يد الفرعون حور أم حب، الذي دمر العاصمة أخيتاتون، وطمس اسم أخناتون من التاريخ.


الفن المعماري

أقام أخناتون مدينتهُ أخيتاتون بناءً على فلسفتهِ الخاصة التي تتعلق بنظرية الفصل بين البناء للحياة والبناء للخلود، وقد ظهر تأثير هذه الفلسفة على مساكن المدينة؛ التي كانت متشابهة، بما في ذلك مساكن جميع المنتمين لمختلف الطبقات الاجتماعية؛ فقد بُنيت جميعها من الطوب النيء بناءً على فلسفة أخناتون في عمارة مدينتهِ، يرتبط العمر الافتراضي لمباني البشر بأعمارهم ومتطلباتهم وميولهم، والتي تتغير مع مرور الوقت، أما المباني الخالدة المخصصة للآلهة، فتبنى من الحجارة، لتتحمل تأثيرات الأزمان وتبقى قائمةً، ومن الأمثلة عليها دور العبادة، ومن أهم الجوانب المعمارية لمدينة أخيتاتون:[٨]

  • لُقب أخناتون (العائش بالحقيقة)؛ لأنه تبنى الحقيقة كمبدأ في الحياة، وكان يتقبل حقائقها كما هي من دون تزييفٍ أو تغيير، وقد أثر ذلك بالفن المعماري في أخيتاتون، والذي سميّ بفن العمارنة وامتاز باختلافهِ عن جميع الفنون الفرعونية الأخرى في جميع العصور، بما في ذلك العمارة والنحت والنقش والتصوير والأدب والموسيقى.
  • كان فن النحت من أبرز الفنون في أخيتاتون، وتأثر بالواقعية، وكان الفنانون يصورون الأشخاص كما تراهم العين المجردة؛ بأشكالهم الآدمية، وقد وجه أخناتون الفنانين الذين عملوا على نحت تماثيلهِ أن يظهروه بصورتهِ الحقيقية التي تعكس جسده غريب الشكل، بما في ذلك ضخامة جمجمتهِ، وضمور ساقيهِ، وضخامة فخذيه.
  • تميزت جميع بيوت أخيتاتون وقصورها التي بنيت من الطوب النيء بمقاومتها للحرارة والبرودة طوال أيام السنة، وتكون الطوب المستخدم في عمارة المدينة من الطمي، والرماد، والحجر المجروش، وكانت الجدران الداخلية للمباني تكسى بطبقة من الجص، وتُدهن باللون الأبيض، ثم تُزين بالنقوش الملونة، أما واجهات القصور، فقد كانت تكسى ببلاطات من الأحجار الرملية أو الجيرية، واستخدمت الحجارة في صناعة الأعمدة التي تحمل أسقف القاعات الكبيرة، واستخدمت أيضًا سيقان النخيل بعد تغليفها بالجص.


آثار تل العمارنة

من أبرزها:

  • القصر الشمالي: يُعتقد أنّ هذا القصر كان مخصصًا للأميرة ميريت آتون، الابنة الكبرى لأخناتون، وربما كان في السابق منزل إحدى زوجاته (نفرتيتي وكيا)، وهناك احتمالٌ آخر أن الفرعون توت عنخ آمون نشأ في هذا القصر، ويعتقد بعض العلماء أنّ أخناتون كان يتخذ من القصر الشمالي ملاذًا لإرضاء حبهِ للطبيعة، وهناك اعتقادٌ غير مؤكد أنّ القصر كان المقر الرئيسي له.[٩]
  • معبد آتون الكبير: بُنيّ هذا المعبد في وسط المدينة، وكان في أغلبهِ مفتوحًا من الأعلى باتجاه السماء؛ لتمكين الناس من عبادة الشمس مباشرةً، وبسبب السقف المفتوح للمعبد تخلوا عن وجود صورةٍ للشمس داخله، لأنها كان تشع فوق رؤوس المتعبدين.[١٠]
  • معبد آتون الصغير: يُعتبر أصغر المعبدين الكبيرين اللذين بنيا لآتون، وقد شيد في عهد الملك أخناتون في عاصمتهِ الجديدة أخيتاتون، وتمّ اكتشافهُ عبر التنقيبات الأثرية التي أجريت في موقع تل العمارنة.[١١][١٢]


الاكتشافات والتنقيب في تل العمارنة

يُذكر عنها:[١٣]

  • رُسمت أول الخرائط التفصيلية للمدينة في القرن الثامن عشر، من قبل القس الفرنسي كلود سيكارد، وتهافت الأوروبيون على زيارة الموقع بعد ذلك، وازداد الاهتمام بالمنطقة بعد اكتشاف رسائل تل العمارنة.
  • رسائل تل العمارنة هي ألواح مسمارية، تحتوي في مضمونها مراسلات بين ملوك مصر، وملوك الدول الأجنبية الأخرى في تلك الحقبة، إضافة إلى عدد من الوثائق الرسمية، وتدل أغلب هذه الرسائل على أنّ أخناتون كان يهتم بالشؤون الإدارية التي تعنيهِ شخصيًا؛ غير أنه بدأ بالاكتراثِ بشكلٍ أقل بمسؤولياتهِ كملك خلال السنوات اللاحقة من حكمهِ، واكتشفت رسائل تل العمارنة في العام 1887 في أخيتاتون، على يد امرأة محلية كانت تحفر لاستخراج سمادٍ طبيعي من الأرض.
  • في أواخر القرن التاسع عشر، ازدادت الاكتشافات ورسم الخرائط في الموقع من قبل الخبراء التابعين لحملة نابليون على مصر، وجذبت هذه الجهود اهتمام علماء الآثار الآخرين؛ خاصةً بعد فك شفرة "حجر رشيد"، مما أتاح قراءة الهيروغليفية المصرية القديمة في العام 1824.
  • في بدايات القرن العشرين، تمكن علماء الآثار من العثور على الآثار التي تخلص منها الفرعون حور أم حب، واستطاعوا بذلك رسم المعالم الكاملة لقصة الملك أخناتون.


نبذة عن تل العمارنة اليوم

من أهم المعلومات عنها:[١٤]

  • الموقع: يقع تل العمارنة اليوم على بعد 71 كم شمال مدينة أسيوط في مصر، ويضم الموقع اليوم بقايا وآثار العاصمة المصرية القديمة أخيتاتون التي اتخذها الفرعون أخناتون مقرًا.[١٥]
  • وضع المدينة اليوم: المدينة في معظمها مغطاة بالرمال، أو متآكلة بشدة بفعل تأثيرات الطبيعة، ولم يبقَ في المدينة أيُّ من المباني الحجرية التي شيدت قديمًا، بما في ذلك المعابد والقصور، وجل ما تبقى هو جدرانٌ مبنية من الطوب المجفف تحت أشعة الشمس، والذي بنيت منه المنازل وأجزاء كبيرة من القصور، وما زالت أعمال التنقيب والترميم مستمرة لأجل اكتشاف المعالم المندثرة للمدينة.
  • تقسيمات تل العمارنة: تنقسم المدينة الأثرية إلى عدد من المناطق؛ المنطقة الأولى هي وسط المدينة التي كانت تضم القصور والمعابد والمباني الحكومية، أما المنطقة الثانية فهي باتجاه الجنوب، وتسمى بالمدينة الرئيسية، وقد شيدت فيها الكثير من المنازل، وبالنسبة للمنطقة الثالثة، الضاحية الشمالية، فقد كانت إحدى المناطق السكانية الأخرى.

المراجع

  1. Peter F. Dorman, "Akhenaten", britannica, Retrieved 18/6/2021. Edited.
  2. "Akhenaten", ducksters, Retrieved 18/6/2021. Edited.
  3. ^ أ ب "Amarna: The City of Akhenaten?", brown, Retrieved 18/6/2021. Edited.
  4. Joshua J. Mark (3/8/2017), "Amarna Period of Egypt", worldhistory, Retrieved 18/6/2021. Edited.
  5. Peter F. Dorman, "Akhenaten", britannica, Retrieved 18/6/2021. Edited.
  6. "Akhenaten and the religion of Aten", osirisnet, Retrieved 18/6/2021. Edited.
  7. Joshua J. Mark (3/8/2017), "Amarna Period of Egypt", worldhistory, Retrieved 18/6/2021. Edited.
  8. سيد كريم، اخناتون في ميزان التاريخ، صفحة 15-26. بتصرّف.
  9. Jimmy Dunn, "The North Palace at Amarna (Ancient Akhetaten)", touregypt, Retrieved 18/6/2021. Edited.
  10. "The Great Temple of Aten, Amarna", blogs.brown, 1/4/2019, Retrieved 18/6/2021. Edited.
  11. "Smaller Aten Temple, Amarna", worldhistory, 21/9/2017, Retrieved 18/6/2021. Edited.
  12. "Small Aten Temple", flickr, Retrieved 18/6/2021. Edited.
  13. Joshua J. Mark (1/8/2017), "Amarna", worldhistory, Retrieved 18/6/2021. Edited.
  14. "Amarna the Place", amarnaproject, Retrieved 18/6/2021. Edited.
  15. "Tell el-Amarna", britannica, Retrieved 18/6/2021. Edited.