قد يتبادر إلى أذهان الكثير من الناس صوراً مخيفة أو طقوساً دينية غامضة عند سماع كلمة "مومياء" أو "تحنيط"، ولكن الحقيقة هي أن التحنيط كان تقليداً واسع الانتشار في العالم القديم له أهمية دينية عميقة وغالباً ما يقوم به متخصصون مهرة، ويعرّف التحنيط بأنه عملية حفظ الجسم بعد الموت، وذلك عن طريق إزالة الرطوبة من جسم المتوفى واستخدام مواد كيميائية أو مواد حافظة طبيعية لتجفيف اللحم والأعضاء، حيث تمت ممارسة التحنيط في ثقافات مختلفة مثل؛ مصر القديمة، والصين، وجزر الكناري كطريقة لتكريم الموتى، أو للتعبير عن معتقد ديني مهم مثل؛ الإيمان بالآخرة.[١]


لماذا سمي التحنيط بهذا الاسم؟

تأتي كلمة مومياء الإنجليزية من الكلمة اللاتينية "mumia" المشتقة من الكلمة الفارسية "mum" ، والتي تعني "شمع" إشارة إلى جثة محنطة تشبه الشمع، كما يُعتقد بأنه تم اقتراح فكرة تحنيط الموتى بهذا الشكل بعدما تم حفظ مجموعة من الجثث جيداً في رمال البلاد القاحلة في ذلك العصر، وقد كانت توضع الجثث في قبور، وكانت القبور عبارة عن مستطيلات أو أشكال بيضاوية، حيث كانت توضع الجثة على جانبها الأيسر بوضعية تشبه وضعية الجنين.[٢]


من اخترع التحنيط؟

تمت ممارسة التحنيط في معظم التاريخ المصري المبكّر، حيث حافظت الرمال والرياح الجافة عن طريق الصدفة على بعض الجثث مدفونة في حفر ضحلة في الرمال، ثم بدأ المصريون بعملية تحنيط الموتى بشكل رسمي في حوالي 2600 قبل الميلاد خلال حكم الأسرتين الرابعة والخامسة من الفراعنة، وتطورت لأكثر من 2000 عام حتى العصر الروماني أي حوالي 30 قبل الميلاد، وترجع أفضل المومياوات التي تم إعدادها وحفظها إلى الأسرة 18 حتى الأسرة 20، وتشمل مومياء توت عنخ آمون.[٣]


ما هي خطوات التحنيط؟

هناك ثماني خطوات كانت تقوم بها الحضارات القديمة لتحنيط الموتى، تتمثل فيما يلي:[٤]

  • تنقية الجسم: قبل أن تبدأ عملية التحنيط، يجب غسل الجسم بماء النيل.
  • إزالة الأعضاء الداخلية: يتم عمل شق صغير في الجانب الأيسر من الجسم لإزالة الكبد والرئتين والأمعاء والمعدة، ثم يتم غسل هذه الأعضاء وتعبئتها في النطرون، ولكن يُترك القلب في الجسد حيث يُعتقد بأنه مركز الذكاء وسيكون هناك حاجة إليه في الآخرة.
  • التخلص من الدماغ: يتم إدخال أنبوب من خلال فتحة الأنف إلى الجمجمة، حيث يتم استخدامه لتفكيك الدماغ والتخلص من السائل الذي يُعتقد بأنه غير مفيد.
  • ترك الجسم حتى يجف: يتم تعبئة وتغطية الجسم بمادة النطرون وهو نوع من الملح الذي يمتص الرطوبة، ثم يُترك لمدة 40 يوماً حتى يجف.
  • حشو الجسم: يتم غسل الجسم مرة أخرى بنهر النيل وتغطيته بالزيوت لمساعدة الجلد على البقاء مرناً، ثم يُستخرج النطرون ويُحشى الجسم بنشارة الخشب والكتّان لجعله يبدو نابضاً بالحياة.
  • لف الجسم بمادة الكتان: يتم لف الرأس والرقبة بشرائط من الكتان ثم أصابع اليدين والقدمين، بعدها يتم لف الذراعين والساقين بشكل منفصل قبل ربطهما معاً، ويستخدم سائل الراتنج كغراء.
  • إضافة التمائم: يتم وضع التمائم بين طبقات الجسم لحمايته أثناء رحلته إلى الحياة الآخرة.
  • قراءة الأدعية: يقرأ الكاهن التعويذات بصوت عال أثناء لف الجسم وذلك لحماية الجثة من الأرواح الشريرة، وغالباً ما كان رجل الدين يضع قناع أنوبيس على وجهه لأنه الإله المرتبط بعملية التحنيط والحياة الآخرة.


متى توقف المصريون عن تحنيط الموتى؟

بدأ المصريون بصنع مومياوات صناعية بشكل يدوي في حوالي 3000 قبل الميلاد، حيث كانت هذه الجهود المبكرة في التحنيط تعكس المعتقدات الناشئة للثقافة خلال تلك الفترة حول الحفاظ على الموتى حتى الحياة الآخرة، لكن توقف المصريون عن صناعة المومياوات بين القرنين الرابع والسابع الميلادي وذلك نتيجة لاعتناق العديد من المصريين الدين المسيحي، لكن تشير التقديرات إلى أنه تم صنع أكثر من 70 مليون مومياء في مصر، على مدار 3000 عام، ويعد المصريون القدماء من أشهر صانعي المومياء.[٥]


معلومات أخرى عن التحنيط

أشهر مومياء محنطة في العالم

إليك ما يلي:[٦]

  • مومياء رمسيس الثاني: كان يُعرف أيضاً باسم رمسيس الكبير ويُعتبر واحداً من أعظم وأقوى وأشهر الفراعنة من الإمبراطورية المصرية القديمة، حيث كان ثالث فرعون في الأسرة 19 في مصر وحكم من 1279 إلى 1213 قبل الميلاد، دُفن رمسيس الثاني بداية في مقبرة بوادي الملوك، ولكن تم نقله فيما بعد إلى جانب قبر الملكة إينهابي، وتم اكتشافه في عام 1881.
  • مومياء الملك توت عنخ آمون: يعد اكتشاف قبر الملك توت عنخ آمون أحد أشهر الاكتشافات الأثرية في العصر الحديث، حيث تم العثور على مقبرته سليمة بشكل كامل والتي ساهمت في إنتاج أكثر من 5398 قطعة أثرية، كما يعتقد الباحثون وعلماء الآثار أنه تم الحفاظ على قبر وجسد توت عنخ آمون جيداً، مما مكّنهم من معرفة الكثير عن المدافن الملكية وعملية التحنيط ومقابر الأسرة 18 في مصر القديمة.
  • مومياء أمنحتب الأول: كان أمنحتب الأول هو الفرعون الثاني في الأسرة 18 في مصر، وتتميز المومياء بواحدة من أفخم أقنعة الوجه المحفوظة جيداً، حيث لم يتم فكها أو دراستها عن قرب من قبل العلماء المصريين نظراً لأنها فريدة من نوعها.


أين يمكن رؤية مومياء حقيقية؟

توجد العديد من المومياوات الحقيقية التي يمكن زيارتها في مختلف المتاحف والأماكن حول العالم، منها:[٧]

  • مومياء فلاديمير لينين في روسيا، حيث تم نقل جثة لينين إلى الميدان الأحمر في موسكو، وعرضها بعد وقت قصير من وفاته في عام 1924، والتي مرّت بعقود من الحفظ باستخدام حمض الأسيتيك والفودكا لإبقاء جسد المؤسس للاتحاد السوفيتي صالحاً للزيارة حتى اليوم.
  • أوتزي رجل الجليد في متحف جنوب تيرول للآثار في إيطاليا، الذي من المقدّر أنه توفي حوالي عام 3300 قبل الميلاد وتم العثور على جثته المتجمدة في جبال جليدية من قبل بعض المتنزهين، حيث تم اعتباره أقدم مومياء بشرية طبيعية معروفة في أوروبا مما ساعد في تقديم نظرة ثاقبة للعالم عن حياة الأوروبيين الأوائل.
  • مومياء الملكة المصرية حتشبسوت في المتحف المصري بالقاهرة، والتي كانت من أشهر فراعنة مصر لمدة عقدين من الزمن أسست خلالهما العديد من مشاريع البناء والطرق التجارية، على الرغم من محاولة ابن زوجها تحتمس الثالث أو حفيدها أمنحتب الثاني التخلص منها وإزالتها من التاريخ إلى الأبد، تم المحافظة على جسدها بعدما توفيت في 1458 قبل الميلاد.


كم عمر أكبر مومياء؟

يُعتقد بأن أقدم مومياء تم العثور عليها ترجع إلى 4500 عام، ولكن بفضل تقنية الكروماتوغرافيا العلمية يعتقد الباحثون اليوم بأن أكبر مومياء في العالم تبلغ من العمر 2000 سنة، حيث لم تكن تقنية تحنيط الجثث باستخدام مزيج من الزيوت شائعة الاستخدام، وبدلاً من ذلك كانت الفكرة السائدة هي أن آثار التحنيط قد تتحقق من خلال عمليات أبسط ولكن أطول بكثير مثل العمليات التي تمر بها الجثث في الطبيعة، وذلك من خلال لف الجثث بقطعة قماش وتركها بالخارج لتتعرض للعوامل الجوية مثل الشمس والرمال.[٨]


أول مومياء في العالم

تأتي أول مومياء في العالم من ثقافة شينشورو في أمريكا الجنوبية، تحديداً في منطقة تقع جنوب بيرو وشمال تشيلي، حيث يُعتقد بأن هذه المومياء كانت لشخص توفي عام 5050 قبل الميلاد أي قبل أكثر من 7000 سنة، كما يُعتقد بأن هذه المومياء أقدم بحوالي 2000 عام من المومياوات الموجودة في مصر القديمة، كان لدى ثقافة شينشورو طرق مختلفة للحفاظ على الجثث، حيث يبدؤون بإزالة جميع الأعضاء من الجسم بالإضافة إلى إزالة الشعر والجلد باستخدام أدوات حجرية وليس سكاكين معدنية.[٩]


ما هي أفضل مومياء محفوظة؟

تعد مومياء السيدة ماركيز داي (شين زوي) الموجودة في متحف مقاطعة هونان الصينية من أفضل المومياوات المحفوظة إلى يومنا هذا، حيث كانت السيدة داي تنعم بحياة مليئة بالثراء، وهي زوجة لي تشانغ في الصين القديمة، ثم اكتسبت شهرة على مدى 2000 عام بعد وفاتها حتى اكتشاف قبرها في عام 1971، والذي تبيّن بعده أن جثتها محفوظة جيداً لدرجة أن عضلاتها لا تزال تسمح بذراعيها وساقيها بالثني عند المفاصل، مما يجعلها واحدة من أهم الاكتشافات الأثرية في القرن العشرين.[٧]


هل هناك رائحة تصدر من المومياء بعد تحنيطها؟

لا تصدر رائحة معينة من المومياوات مثل رائحة التحلل، ولكن يتم استخدام المستخلصات الطبيعية في عملية التحنيط وذلك للحفاظ على رائحة مقبولة على مر الزمان، كما كانت تستخدم بعض الثقافات عطوراً فاخرة في بعض الأحيان، فعلى سبيل المثال عثر فريق بحثي من المتحف المصري في جامعة بون في ألمانيا مؤخراً على بقايا يُعتقد بأنها بقايا من عطر الملكة حتشبسوت بعد تحليل جرة معدنية تخصها، والتي يرجح أنها كانت مصنوعة من البخور الغالي المستورد من الصومال، وقد حاولوا إعادة صنع العطر.[١٠][١١]


هل تنقل الأجسام المحنّطة الأمراض؟

يمكن أن تعيش الفيروسات أو البكتيريا في حالة سبات على مر السنين في الجثث المحنطة، ولكن ذلك يتطلب أن تكون البيئة مثالية ومناسبة لعيشها، ولذلك فإن نقل الأمراض أمر مستبعد،[١٢] وقد أُجريت فحوصات على الجثث للتأكد من صلاحية فيروس الجدري والحمض النووي الفيروسي، وأظهرت جثة من إيطاليا في القرن السادس عشر نتائج الفحص المجهري الإلكتروني المناعي التي كانت متوافقة مع تلك المتوقعة لعدوى فيروس الأورثوبوكس، كما وجدت دراسة لحمض نووي فيروسي مستخرج من مومياء طفل من القرن السابع عشر إلى أن الحمض النووي الفيروسي القديم لمومياء الطفل يشترك في العديد من السمات المميزة مع السلالات الحديثة من فيروس الجدري، بما في ذلك العديد من الطفرات، مما يشير إلى ارتباطهما ارتباطاً وثيقاً.[١٣][١٤]


هل عملية التحنيط مكلفة؟

عادة ما يتم تحنيط الموتى ودفنهم في مقابر فخمة خاصة إذا كانوا من النبلاء أو المسؤولين المحبوبين لدى الشعب، مما يعني أن عملية التحنيط كانت باهظة الثمن وتجاوزت إمكانيات الكثيرين، إذ يتم تغليف المومياء بمعادن مختلفة مثل (البرونز، والفولاذ مقاوم للصدأ، والذهب) ويتم تزيين المومياء بالمجوهرات أو السيراميك، ويوضع على المومياء قناع يشبه الفرعون الحقيقي، وحيث يُعتقد بأن التحنيط البشري الأساسي يكلّف ما يصل إلى 67000 دولار على الأقل ويمكن أن يتجاوز المبلغ 100000 دولار.[٣][١٥]

المراجع

  1. Tom Garlinghouse (15/7/2020), "Mummification: The lost art of embalming the dead", Live Science, Retrieved 10/7/2021. Edited.
  2. "Mummification in Ancient Egypt", World History Encyclopedia , Retrieved 10/7/2021. Edited.
  3. ^ أ ب "Egyptian Mummies", The Smithsonian Institution, Retrieved 10/7/2021. Edited.
  4. "What are the 8 steps of mummification process?", Historical Eve, Retrieved 10/7/2021. Edited.
  5. "Mummies 101", PBS, Retrieved 10/7/2021. Edited.
  6. "10 Oldest Mummies in the World", Oldest, Retrieved 10/7/2021. Edited.
  7. ^ أ ب Malavika Kumar (1/6/2018), "11 Famous Mummies You Can See Around The World", travel.earth, Retrieved 10/7/2021. Edited.
  8. "How Old Are Mummies?", chromatography today, 30/8/2014, Retrieved 10/7/2021. Edited.
  9. "Who Was the First Ancient Mummy?", actively learn, Retrieved 10/7/2021. Edited.
  10. "Smell & Tell | The Smell of Mummies", Ann Arbot District Library, Retrieved 10/7/2021. Edited.
  11. Heather Whipps (24/3/2009), "What Does an Egyptian Pharaoh Smell Like?", livescience, Retrieved 3/8/2021. Edited.
  12. "Do Mummies Carry Ancient Pathogens?", scienceabc, Retrieved 11/8/2021. Edited.
  13. Andrea M McCollum, Yu Li, Kimberly Wilkins, Kevin L. Karem, Whitni B. Davidson, Christopher D. Paddock, Mary G. Reynolds, Inger K. Damon, "Poxvirus Viability and Signatures in Historical Relics", US National Library of Medicine, Retrieved 10/7/2021. Edited.
  14. Ann Gibbons (8/12/2016), "Virus found in child mummy suggests recent rise of deadly smallpox", sciencemag, Retrieved 3/8/2021. Edited.
  15. "Who Wants To Be A Mummy? ", everplans, Retrieved 10/7/2021. Edited.