التربية في العصر اليوناني: أهم الحقائق

ارتبط العصر اليوناني بالحضارة اليونانية القديمة، التي تأسست بعد الحضارة الميسينية في حوالي العام 1200 ق.م، واستمرت حتى وفاة الإسكندر الأكبر في العام 323 قبل الميلاد، وقد شهد العصر اليوناني تحولاتٍ وإنجازاتٍ سياسية، وفلسفية، وفنية، وعلمية، وكانت أثينا وأسبرطة المدينتين الرئيسيتين اللتين حكمتا جزءًا كبيرًا من اليونان القديمة، وكانتا في حالة صراعٍ مستمر في حروبٍ تعرف بحروب البيلوبونيز، وكانتا تتحدان لحماية اليونان من الغزاة الأجانب، وتميزتا باختلاف الثقافات التي شكلت هويتهما الفريدة.^[١][٢]

ميزات التربية في العصر اليوناني

من أبرز الميزات:^[٣]

• التعليم في اليونان القديمة كان متأثرًا بالسفسطائيين، وأفلاطون، والأسوقراطيين، وكان التعليم اليوناني "ديمقراطياً" في القرن الخامس ق.م، وبحلول الفترة الهلنستية، أصبحت التربية الرياضية جزءًا من الثقافة اليونانية.
• تمثل التعليم في اليونان قديمًا بشكلين، هما التعليم الرسمي والتعليم غير الرسمي، يطلب التعليم الرسمي من الطلاب ارتياد المدارس العامة لحضور الدروس التي يلقيها معلمٌ يتم تعيينهُ مسبقًا، أما التعليم غير الرسمي، فقد كان يتم على يد معلم غير مدفوع الأجر، يقدم دروسهُ في أماكن غير عامة.
• اكتسب التعليم في اليونان القديمة أهميتهُ باعتبارهِ مكونًا أساسيًا لتشكيل شخصية الإنسان وهويتهِ، كما أنّ التعليم الذي تلقاهُ الأفراد في اليونان كان مرهونًا إلى حدٍ كبير باختلاف الطبقات الاجتماعية والثقافة السائدة واختلاف المواضيع التي يشملها التعليم.

النماذج التربوية في العصر اليوناني 

تأثرت التربية في اليونان القديمة باختلاف ثقافات مُدنها، وقد برز اثنان من النماذج التربوية اليونانية القديمة التي عكست الاختلافات الفكرية والنظرة الحياتية لليونانيين القدماء، حيث ينتمي هذان النموذجان التربويان إلى كلٍ من مدينة أثينا ومدينة أسبرطة؛ فالاختلاف بينهما لم يكن يُطبق من خلال الحروب فقط، بل أدى لاختلاف النظام التعليمي بينهما، وانبثق عن مدينة أسبرطة ما يعرف بالتربية الأسبرطية، وركزت في أغلبها على المواضيع الحربية، وبينما ركزت التربية الأثينية المنتمية لمدينة أثينا على المواضيع الفكرية.^[٢][٤]

التربية الأسبرطية

تأثرت التربية في أسبرطة بالطبيعة الحربية للمجتمع، وركزت على الولاء للدولة والخدمة العسكرية، وقد أنتجت هذه التربية ثلاث فئات اجتماعية، ركزت وظائفها لخدمة الثقافة القتالية في أسبرطة، وضمت الفئة الأولى الأسبرطيين المواطنين الذين امتازوا بمهاراتهم الحربية، تليهم فئة العبيد، ثمّ فئة التجار والحرفيين المسؤولين عن صناعة الأسلحة للأسبرطيين.^[٥]

العوامل المؤثرة

تشمل ما يلي:

• اعتبرت أسبرطة أقوى قوةٍ قتالية في اليونان، وكان لا بد من المحافظة على هذا المستوى من خلال ترسيخ المبادئ القتالية في التربية والثقافة.^[٦]
• آمن الأسبرطيون بالحياة القائمة على الانضباط، والبساطة، وإنكار الذات، والولاء المطلق لمدينتهم، وقد ركز التأهيل البدني الذي شارك به جميع المواطنين في أسبرطة والذي يسمى (Agoge) على تعليم أبناء المدينة منذ سنٍ مبكرة مبادئ الطاعة، والتحمل، والشجاعة، وضبط النفس.^[٧][٥]
• تعلم الأسبرطيون أنّ الولاء للدولة يعلو أي ولاءٍ آخر؛ حتى الولاء للعائلة أيضًا، وتعلموا أن يكذبوا، ويغشوا، ويسرقوا لكن من دون أن يقبض عليهم.^[٨][٥]

أهداف التربية الأسبرطية

تشمل ما يلي:^[٩][١٠]

• هدفت التربية في أسبرطة إلى إنتاج جيشٍ قوي، والمحافظة على المستوى القتالي العالي، إلى جانب تمكين الرجال والنساء من الدفاع عن مدينتهم وعن أنفسهم، وامتازت المدارس العسكرية حيث تلقى الأطفال تعليمهم بالقسوة، وكان الأطفال غالبًا ما يتركون جياعًا ويتعرضون للضرب.
• لم تستثنِ التربية الأسبرطية الفتيات، وكانت تهدف لتأهيلهن ليصبحن مقاتلات؛ بسبب اعتقاد الأسبرطيين أنّ النساء القويات يلدن أطفالًا أقوياء، وشملت التربية الأسبرطية النساء أيضًا لتأمين المدينة في حال اضطررن للدفاع عنها إذا كان الرجال خارجها.

مراحل التربية الأسبرطية

تشمل ما يلي:^[١١]

• تبدأ التربية الأسبرطية بمجرد ولادة الطفل؛ حيث يأتي الجنود الأسبرطيون إلى منزل والديه لتفحص حالتهِ الصحية، فإذا تبين لهم أنّ الطفل ضعيف وبحالةٍ سيئة، فإنهم يصطحبونهُ معهم بعيدًا ويتركونهُ عند التلال ليموت، أو يأخذونهُ ليتم تدريبهُ ليصبح عبدًا، أما إذا كان الطفل قويًا وبحالة صحية جيدة، فهذا يؤهله ليصبح جنديًا، ويتم تعيينهُ عضوًا في إحدى المجموعات الأخوية التي تكون في العادة نفس المجموعة التي ينتمي إليها أحد والديه.
• في سن 6 أو 7، يُجبر الأولاد على مغادرة منازلهم والانضمام إلى مدارس عسكرية تتميز بشدة انضباطها ويشرف عليها عدد من الضباط المتدرجين بالمناصب، ويخضع الأولاد من سن 7 وحتى 18 إلى تدريبٍ قاس، ويتدربون وينامون في ثكنات مجموعاتهم، ويتعلمون المهارات التي تؤهلهم ليصبحوا جنودًا إلى جانب مهارات التحمل وغيرها.
• في سن 18، يصبح الأولاد طلابًا عسكريين ويبدأون بتعلم فنون الحرب، وفي سن 20، ينضمون إلى قوةٍ عسكرية احتياطية تبقى دائمًا في وضع الاستعداد تحسبًا للحالات الطارئة، وبين سن 18-21، يتعين على الذكور الأسبرطيين اجتياز اختبارٍ صعب يمتحنهم في مهارات اللياقة البدنية والقدرة العسكرية والقيادة.
• يصبح الأسبرطيون الذين لا ينجحون باجتياز هذا الاختبار أفرادًا من الطبقة المتوسطة، ولا يحظون بأي حقوق سياسية ولا يعتبرون مواطنين أسبرطيين، ولكن يُسمح لهم بامتلاك العقارات وإجراء المعاملات التجارية.
• أما الأسبرطيون الذين ينجحون بهذا الاختبار، فإنهم يصبحون مواطنين وجنودًا مشمولين بكافة الحقوق، لم يكن يسمح للمواطنين الأسبرطيين بلمس المال، وكان يعد ذلك من مهام الطبقة المتوسطة، كان الجنود الأسبرطيون يقضون أغلب حياتهم مع زملائهم الجنود، وكانوا يمارسون نشاطات الحياة اليومية من أكلٍ ونومٍ في الثكنات حيث يستمر تدريبهم فيها، حتى الجنود المتزوجين منهم، لم يعيشوا مع زوجاتهم وعائلاتهم.
• كان يستطيع الجنود الأسبرطيون التقاعد من الخدمة العسكرية عند بلوغهم سن الستين، ويستطيعون بعدها العودة لمنازلهم حيث عائلاتهم والعيش هناك.

محتوى التعليم في التربية الأسبرطية

يشمل ما يلي:^[١٢][١٣]

• كان يتم تعليم الأولاد في أسبرطة جميع المهارات العسكرية، إضافة إلى الملاكمة، والمصارعة، والسباحة، ورمي الرمح، والقرص، وفي سن 18 كان يجب عليهم الخروج من الثكنات لسرقة الطعام، وكانوا يتعرضون للعقاب إذا ألقي القبض عليهم، وقد كان الهدف من تعلم السرقة تنمية مهارات التخفي والدهاء لدى الأولاد.
• كانت الفتيات الأسبرطيات يذهبن إلى المدرسة العسكرية أيضًا، وكانت مدارسهن تشبهُ إلى حدٍ كبير مدارس الأولاد، لكنها كانت أقل قسوة، وكانت الفتيات يتعلمن منذ سن السابعة الرياضات البدنية، والمصارعة، والمهارات القتالية، واستخدام السلاح، والعراك بالأيدي، وعلى الرغم من أنّ النساء الأسبرطيات لم يتحتم عليهن الانضمام للجيش، فقد نشأن قويات ومتمكنات من المهارات القتالية.^[١٤][١٣]
• لم يكن تعلم القراءة والكتابة مهمًا في أسبرطة، واعتبر تعلمهما مهارة ثانوية لكلٍ من الأولاد والفتيات، واعتبر التعليم العسكري أهم من كلِ المهارات الأخرى.

التربية الأثينية

كانت مدينة أثينا المركز التعليمي، والفكري، والثقافي في اليونان قديمًا، وقد أثرت مكانتها الفكرية على طبيعة التعليم فيها ومواضيعهِ مقارنةً مع أسبرطة، وقد وازنت التربية الأثينية بين متطلبات الفرد والدولة، وعملت على إعداد الأفراد وتهيئتهم لكلٍ من حالة الحرب والسلم، كما تميزت بتنوع مواضيعها واعتماد استمراريتها على المستوى الاجتماعي للفرد.^[١٥][١٦]

العوامل المؤثرة

تشمل ما يلي:^[١٧]

• كانت أثينا أول من ركز على الجوانب غير القتالية في حياة الجنود، والمتمثلة بالحياة المدنية والثقافية، وبالتأكيد حافظت أثينا على إيمانها بواجب الدفاع عن الأرض عند الضرورة، ولكنها اعتبرت القتال المسلح مجرد رياضية وليس محورًا للحياة.
• ارتبط تطور التربية الأثينية بتطور مدينة أثينا واتجاهها نحو مزيدٍ من الديمقراطية، وركزت على مبادئ الحياة النبيلة وممارسة الرياضة الراقية مثل الفروسية والصيد.

أهداف التربية الأثينية

تشمل ما يلي:^[١٨][١٩]

• وضعت التربية الأثينية أهدافها بناءً على الإيمان بضرورة إعداد المواطنين الصالحين بتدريبهم على الفنون التي تنمي مهاراتهم الجسدية والعقلية والأخلاقية.
• آمن الأثينيون بمقولة "العقل السليم في الجسد السليم" وأنّ التوازن بين الجسد والعقل مهمٌ لإعداد المواطنين الصالحين المتهيئين للحروب والحياة اليومية ومواقفهما.

مراحل التربية الأثينية

تشمل ما يلي:^[٢٠][٢١]

• يقضي الأولاد والبنات طفولتهم معًا لحين بلوغهم السابعة، ويقضون حياتهم باللعب والاستمتاع بوقتهم، وتقوم أمهاتهم بتعليمهم في المنزل، أو يتولى هذا أحد العبيد الذكور.
• بعد سن السابعة (أو السادسة)، يبدأ الأولاد بارتياد المدارس الابتدائية لحين بلوغهم 13 أو 14، وتعتبر الرياضة البدنية جزءًا من تربيتهم خلال هذه الفترة.
• بمجرد تمكن الطلاب من الكتابة والقراءة، يبدأ المعلمون بتلقينهم بعض الأجزاء من ملحمتي الأوديسة والإلياذة لهوميروس ليكتبوها وليحفظوها عن ظهر قلب، كما كان الطلاب ومعلموهم يتناقشون بمآثر الأبطال المذكورة في أعمال هوميروس.
• كان بإمكان الطلاب الالتحاق بالمدارس الخاصة أيضًا بين سن 6 إلى 14، وبشكلٍ عام، كانت الكتب باهظة الثمن وقليلاً جدًا ما تتوافر؛ مما دفع المعلمين لقراءة موضوعات الدراسة بصوتٍ عالٍ، وكان يجب على الطلاب حفظ كل شيء، وكان التعليم الرسمي للطلاب الفقراء ينتهي غالبًا في سن 13 أو 14، ويتوجهون بعدها للتدرب على ممارسة التجارة، أمّا أولاد العائلات الثرية، فقد كانوا يكملون تعليمهم تحت إشراف المعلمين الفلاسفة.
• عند بلوغ الأثينيين سن 18 وحتى 20 عامًا، يتوجب عليهم الخضوع للتدريب العسكري الذي يهيئهم للقتال البري أو البحري.^[٢٢]
• أما الفتيات في أثينا، فقد كنّ يتعلمن في المنزل من قبل أمهاتهن أو من مدرسٍ خاص، هدفت التربية الأثينية إلى إعداد الفتاة لتكون ربة منزل ناجحة، ولتتمكن من رعاية أطفالها وتعليمهم بنفس الطريقة التي تربت وتعلمت عليها.^[٢٢]

محتوى التعليم في التربية الأثينية

يشمل ما يلي:^[٢٢]

• كان تعليم الأولاد في أثينا يضم ثلاثة مواضيع رئيسية، هي الأبجدية اليونانية، والموسيقى، والتربية البدنية، وشملت مواضيع الأبجدية اليونانية كلًا من القراءة، والكتابة، والحساب، وكان الطلاب يبدؤون بدراسة الأعمال الأدبية بمجرد إتقانها، أما الموسيقى، فشملت الغناء، والعزف على القيثارة، والناي، وفن الإلقاء، والأداء الموسيقي للشعر، وبرزت أهمية الموسيقى باعتبارها أيضًا وسيلة يتعلم الطلاب من خلالها التاريخ والجغرافيا والأخلاق.
• بالنسبة للتربية البدنية، فقد مارس فيها الطلاب المصارعة، والقفز، والجري، ورمي الرمح، والقرص، كما كانوا يمارسون الألعاب الجماعية، لم تهدف التربية البدنية في أثينا إلى إعداد الرياضيين أو الجنود مثل مدينة أسبرطة؛ بل سعت لمساعدة الشباب على بناء الأجساد الرشيقة، والصحية، والجذابة، إضافة إلى هذه المواضيع الثلاثة، كان المعلمون في أثينا يضيفون إلى التعليم أي مواضيع أخرى يعرفونها.
• شملت مواضيع التربية الأثينية المخصصة للفتيات، والتي كنّ يتلقينها في منازلهن، مواضيع مثل الأمومة والتدبير المنزلي، وكان يسمح للفتيات في أثينا بالمشاركة في المصارعة، وكان الأبناء في أثينا يخشون أن يؤدي تعلم بناتهن للقراءة إلى إفسادهن، وكانوا يرون أنّ الأولاد عندما يتزوجون سيحتاجون في حياتهم إلى المواضيع التي يتعلمونها في المدارس، أما الفتيات فسيبقين في المنزل ويقمن بتربية الأطفال وبالأعمال المنزلية، ومن جهةٍ أخرى، كانت بعض العائلات الأثينية توظف مدرسًا خاصًا لبناتهن؛ الأمر الذي نتج عنه وجود بعض النساء الأثينيات المتعلمات.