تعريف النظام الإقطاعي
الإقطاعية (بالإنجليزية: Feudalism)، وتسمى أيضًا النظام الإقطاعي وهو نظام تاريخي يحدد الخصائص الاجتماعية والاقتصادية والسياسية للمجتمع في أوروبا الغربية، ظهر خلال أوائل العصور الوسطى، عندما اختفت السلطة السياسية المركزية في الإمبراطورية الغربية، وهي الفترة الزمنية الطويلة بين القرنين الخامس والثاني عشر، ويقوم النظام الإقطاعي على أساس هيكلة المجتمع حول العلاقات الناشئة من حيازة الأراضي أو الإقطاعية مقابل الخدمة والعمل.[١]
وعرّف قاموس أكسفورد الإنجليزي الإقطاع بإيجاز على أنه "النظام الاجتماعي السائد في أوروبا في العصور الوسطى، حيث كان النبلاء يحتفظون بأراضي من الملك مقابل الخدمة العسكرية، وكان المستأجرون يستأجرون الإقطاعية من النبلاء، بينما كان الفلاحون (الأحرار أو العبيد) مجبرون على العيش على أرض سيدهم ومنحه الولاء والعمل مقابل نصيب من الإنتاج والحماية العسكرية.[٢]
تطورت الإقطاعية في أوروبا في أوائل العصور الوسطى كطريقة للحفاظ على انخراط السكان في الزراعة، حيث كانت المدن في حالة تدهور اقتصادي منذ نهاية الإمبراطورية الغربية، ولضمان دفاع القوات المجندة عن الأرض ضد التهديدات الخارجية.[٣]
الاختلاف على مسمى "الإقطاعي"
مع أن النظام الإقطاعي ازدهر في العصور الوسطى إلا أن كلمة "إقطاعية" لم تكن مصطلحًا قادمًا من العصور الوسطى، ولكنها ابتكار لمحامين إنجليز وفرنسيين في القرن السادس عشر لوصف التزامات تقليدية معينة بين أعضاء الطبقة الأرستقراطية المحاربة، وظهرت أيضًا لوصف مجتمعات في أماكن أخرى، مثل فترة تشو في الصين (1046-256 قبل الميلاد) وفترة إيدو في اليابان (1603-1868)، ولم تصبح الإقطاعية كلمة شائعة حتى عام 1748، وذلك بفضل كتاب مونتسكيو روح القوانين (De L'Esprit des Lois).[٣][٢]
وأيضًا لا يمكن وصف جميع أنظمة الدول الأوروبية المختلفة بمصلح "الإقطاعي"، حيث كان هناك اختلافات في القوانين والعادات في مناطق جغرافية مختلفة وفي قرون مختلفة، ونتيجةً لذلك، يعتقد العديد من المؤرخين أن المصطلح فوائده محدودة جدًا في فهم مجتمعات القرون الوسطى.[٢]
عناصر النظام الإقطاعي وخصائصه
يبدأ الهرم الإقطاعي بالرأس وهو الملك؛ مالك الأراضي والإقطاعيات، بحيث يُعطي الملك الإقطاعية للنبلاء أو التابعين؛ مثل اللورد والكونت والبارون وغيرهم، مقابل الحماية العسكرية مع تقديم التابع الولاء للملك، وفي أسفل الهرم يأتي الفلاحون، سواء كانوا عبيدًا أم أحرارًا، يزرعون الأرض التي عمل فيها أسلافهم.[٢][٤]
يعطي الملك الحق للتابع في استخدام الأرض والربح منها بل وتأجيرها، وكل ذلك مقابل حماية الملك، ولأن النبلاء بطبيعة الحال عسكريون، يؤجرون أملاكهم لمستأجرين، والمستأجرون من طبقة اجتماعية أقل (لكنهم لا يزالون أحرارًا) لا يملكون المهارات أو المعدات العسكرية المطلوبة لتقديم الحماية العسكرية، لذلك يعرضون نسبة مئوية من عائداتهم من الأرض التي استأجروها (إما نقدًا أو من إنتاج)، وفي وقت لاحق في العصور الوسطى، قاموا بدفع مبلغ ثابت من الإيجار للنبلاء، بالإضافة إلى رسوم خاصة غير منتظمة يتعين دفعها للنبيل في مناسبات خاصة مثل زواج ابنته الكبرى أو حصول ابنه على لقب فارس.[٢][٤]
حافظ النظام الإقطاعي على استقراره بفعل العلاقة السائدة بين الخدمة العسكرية وزراعة الأرض، حيث تتطلب القدرة على أداء الخدمة العسكرية، تكاليف لشراء الأسلحة والدروع والخيول، بحيث يتم تمويل هذه التكاليف من زراعة الأرض.[٢][٤]
وهكذا انقسم المجتمع الإقطاعي إلى مُلاك الأراضي (الملوك، النبلاء، وبعض المستأجرين) وأولئك الذين عملوا في الأرض من أجلهم، والذين يمكن أن يكونوا عمالًا أحرارًا أو غير أحرار، حيث كان العمال غير الأحرار من الأقنان، المعروفين أيضًا باسم (villeins) في أسفل الهرم الاجتماعي، يشكلون الغالبية العظمى من السكان، أما الفلاحون الأحرار فكانوا يعملون بدون أجر على الأرض التي يملكها، أو يستأجرها الآخرون لإنتاج غذائهم وطبعًا الغذاء والربح لأسيادهم، وكانوا يُعاملون في كثير من الأحيان على أنهم أكثر بقليل من العبيد أو العمال غير الأحرار اللذين لا يمكنهم مغادرة الإقطاعية التي كانوا يعيشون ويعملون فيها، وبالرغم من ذلك يُستخدم مصطلح الإقطاع بشكل عام من قبل المؤرخين المعاصرين لوصف العلاقة بين الملك والنبلاء فقط، وتُوصف العلاقة بين الأقنان والفلاحين ومالك الأرض أو المستأجر باسم بالمانورالية.[٢][٤]
انهيار النظام الإقطاعي
استند الإقطاع في القرون الوسطى إلى علاقة المساعدة المتبادلة بين الملك والتابع، ولكن نظرًا لزيادة تعقيد هذا النظام بمرور الوقت، فقد ضعفت هذه العلاقة، حيث أصبح النبلاء يمتلكون عقارات متعددة، تؤجر إلى عدة مستأجرين، المستأجر الواحد منهم قد يستأجر من أكثر من نبيل، الأمر الذي أدى ضعف الولاءات المقدمة، واختيار المصالح الشخصية على الولاء.[٢]
ومن أسباب انهيار النظام الإقطاعي الانخفاض المفاجئ في عدد السكان بسبب الحروب والأوبئة، ولا سيما الطاعون الأسود (الذي بلغ ذروته بين 1347م-1352م)، وثورات الفلاحين (أشهرها في إنجلترا عام 1381م)، حيث تسببت هذه الأزمات في نقص مزمن في اليد العاملة وهجر العقارات لعدم وجود من يشتغل بها، وأيضًا أدى نمو البلدات والمدن الكبيرة إلى مغادرة العمالة للريف لإيجاد مستقبل أفضل بشغل الوظائف الجديدة المتاحة هناك.[٢]
وبحلول القرن الثالث عشر، أدى النشاط التجاري الكبير واستخدام العملات المعدنية إلى تغيير طريقة عمل النظام الإقطاعي، حيث سمح المال للأمراء الإقطاعيين بدفع أموالهم بدلاً من أداء الخدمة العسكرية؛ واستئجار الملك للمرتزقة للخدمة العسكرية، حيث أصبح النبلاء أقل أهمية في الدفاع العسكري عن الممكلة، إذ يمكن للملك توزيع الأموال بدلاً من الأراضي مقابل الخدمات العسكرية المقدمة له.[٢]
وأيضًا نشأت طبقة من التجار الأثرياء لا تربطهم روابط ولاء لأي شخص باستثناء صاحب السيادة عليهم ومورديهم وعملائهم، حتى العبيد أصبح بإمكانهم في بعض الأحيان شراء حريتهم والهروب من الظروف التي ولدوا فيها، وهكذا تضافرت كل هذه العوامل لإضعاف النظام الإقطاعي القائم على ملكية الأرض والخدمة.[٢]