استخدم مصطلح صراع الحضارات (Clash of Civilizations) لأول مرة في العام 1993 في مقالة كتبها العالم والسياسي الأمريكي صامويل هنتنجتون، وقال فيها أنّ الصراعات التي ستعقب الحرب الباردة في سياق العلاقات الدولية ستكون بسبب الصدامات الثقافية وليس الصدامات القائمة على الأيديولوجية أو المصالح الاقتصادية، وعلى الرغم من الانتشار الواسع الذي حققته هذه النظرية منذ ظهورها، إلا أنها تعرضت للعديد من الانتقادات، التي شككت في قدرة الحضارة أو الثقافة على الانغلاق على ذاتها في عصر التعددية الثقافية، وفي عام 2001، ازداد الاهتمام بنظرية صراع الحضارات لاستخدامها في تفسير أحداث الحرب على الإرهاب.[١][٢]


عوامل صراع الحضارات

من العوامل المؤثرة في نظرية صراع الحضارات:[٣][٤]

  • الثقافة: يعتبر الصدام بين الثقافات الركيزة الأساسية التي تقوم عليها نظرية صراع الحضارات؛ حيث تتحد الثقافة والهوية الثقافية لتشكيل أنماط هذا الصراع، وتنفصلان عن المجتمعات العالمية بعد الحرب الباردة، وبالتزامن مع نهاية الحرب الباردة، توقفت الدول عن تعريف نفسها بالأيديولوجيات التي انحازت لها، ولم تتمكن من العودة لمكانتها في النظام الدولي كدولٍ شيوعية أو رأسمالية، وأصبحت تركز بدلاً من ذلك على هويتها الثقافية.
  • السياسة العالمية: أصبحت السياسة العالمية اليوم متعددة الأقطاب والحضارات؛ أي أنّ العالم يضم قوىً وحضارات كبرى مختلفة تتفاعل مع بعضها البعض على الساحة الدولية، ويشهد العالم عملية العصرنة أو التحديث (Modernization)، التي تتميز بتأثيرها الواسع ومرافقة التغيير لها، لكن هذه العملية لا تؤدي بالضرورة إلى التغريب (Westernization) أو عولمة الحضارات؛ فالدول التي تصبح حديثة بسبب ازدهار الصناعات لا تتبنى القيم والمبادئ الغربية تلقائيًا، أو تندمج مع بعضها البعض لتشكل ثقافة واحدة.
  • القوة الاقتصادية والديموغرافية: حسب ما تنص عليه نظرية صراع الحضارات، يؤدي التفوق الاقتصادي والديموغرافي (المرتبط بعدد السكان) الذي تتميز به الحضارة الآسيوية والإسلامية إلى تحول في موازين القوى لصالحهما بعد أن تكون في صالح الدول الغربية.
  • الاختلاف بين الحضارات: تتمحور السياسات الدولية حول اختلاف الحضارات؛ حيث تنتمي الدول الأكثر تأثيرًا على الشؤون العالمية إلى حضاراتٍ مختلفة. يتكون الهيكل العام للحضارات من خمسة أشكال للدول، هي: (أولاً) الدول الأساسية تكون الأكثر قوة ونفوذًا، و(ثانيًا) الدول الأعضاء التي تنحاز لحضارة معينة، و(ثالثًا) الدول المنعزلة ثقافيًا، و(رابعًا) الدول المقسمة التي تضم أكثر من مجموعة ثقافية مؤثرة، و(خامسًا) الدول المنشقة التي نشأت في حضارة معينة ولكنها تحاول التحول إلى حضارة أخرى.
  • الرغبة في السيطرة على العالم: تؤدي رغبة الحضارة الغربية بالسيطرة على العالم بها إلى صراعٍ مع دول أخرى؛ حيث تصبح هذه الدول أقل تقبلاً للهيمنة الغربية مع اكتسابها مزيدًا من القوة والثقة الثقافية، مما سيؤدي بالغرب لأن يصبح أكثر استيعابًا للقضايا الأساسية التي تشكل جوهر الصراع معها، مثل حقوق الإنسان والهجرة.


نظرية صراع الحضارات

من أبرز جوانب هذه النظرية:[٥][٦]

الحضارات العالمية

يُفند هنتنغتون في نظريتهِ النماذج السابقة للحضارات بسبب فشلها في تفسير والتنبؤ بحقيقة النظام السياسي العالمي، ويقترح نموذجاً جديداً لفهم النظام السائد في أعقاب الحرب الباردة، ويُقسم العالم بناءً على هذا إلى ثماني حضارات، هي:

  • الحضارة الصينية: الثقافة المشتركة للصين والمجتمعات الصينية في جنوب شرق آسيا، بما في ذلك كوريا وفيتنام.
  • الحضارة اليابانية: تختلف الثقافة اليابانية عن باقي الثقافات الأخرى في دول آسيا.
  • الحضارة الهندوسية: تعتبر جوهر الثقافة السائدة في الهند.
  • الحضارة الإسلامية: نشأت في شبه الجزيرة العربية، وهي منتشرة في شمال أفريقيا وشبه الجزيرة الإيبيرية ووسط آسيا، وتنتمي قوميات العرب والأتراك والفرس والملايو إليها.
  • الحضارة الأرثوذكسية: تتمركز في روسيا، وهي منفصلة عن العالم المسيحي في الغرب.
  • الحضارة الغربية: تتمركز في كلٍ من أوروبا وأمريكا الشمالية.
  • الحضارة اللاتينية: تشمل دول أمريكا الوسطى والجنوبية، وغالبية هذه الدول كاثوليكية.
  • الحضارة الأفريقية: تفتقر قارة أفريقيا إلى الإحساس بالهوية الأفريقية، لكن هنتنغتون يدعي أنّها تتطور بشكلٍ متزايد بين الأفارقة.


تغير الموازين بين الحضارات

يتنبأ هنتنجتون في نظريتهِ أنّ قوة ونفوذ الغرب في طريقهما للتلاشي، وفي نفس الوقت، توجد آراء متفاوتة بخصوص قضية سيطرة الغرب على القوة؛ حيث ترى أطرافٌ أنّ الغرب يحتكر البحث والتطور التكنولوجي والتفوق العسكري والاستهلاك الاقتصادي، على عكس أطرافٍ أخرى ترى أنّ قوة وتأثير الغرب يتجهان إلى التراجع، ويتبنى هنتنغتون الرأي الثاني، ويصف ثلاث خصائص يتميز بها الانحدار في الغرب، وهي:

  • إنّ التراجع الحالي الذي يتعرض له الغرب بطيء جدًا، ولا يمثل تهديدًا مباشرًا على القوى العالمية اليوم.
  • لا يحدث انحدار القوة بشكلٍ مستقيم وثابت؛ فقد يتعرض للانعكاس، أو التسارع، أو التوقف المؤقت.
  • تتحكم سلوكيات وقرارات أصحاب القرار بقوة الدول وتؤثر عليها.


الصراع بين الحضارات

يصف هنتنغتون الصراعات التي ستحدث بين الحضارات ويتنبأ بصورتها، بأنها ستكون أولاً على شكل تحالف أو تعاون بين الثقافات المخالفة لها للتصدي لعدوٍ مشترك؛ ألا وهو الغرب، وتشمل الجوانب التي تُفرق الغرب عن بقية الحضارات من وجهة نظر هنتنغتون ما يلي:

  • حفاظ الغرب على التفوق العسكري من خلال منع انتشار القوى الصاعدة.
  • الترويج للقيم الغربية السياسية مثل حقوق الإنسان والديموقراطية.
  • تقييد دخول المهاجرين واللاجئين غير الغربيين إلى المجتمعات الغربية.

المراجع

  1. "clash of Civilizations", oxfordreference, Retrieved 5/6/2021. Edited.
  2. Davide Orsi (15/4/2018), "The ‘Clash of Civilizations’ and Realism in International Political Thought", e-ir, Retrieved 5/6/2021. Edited.
  3. "The Clash of Civilizations Summary", gradesaver, Retrieved 5/6/2021. Edited.
  4. Samuel P Huntington, The Clash at 20, Page 8. Edited.
  5. Hollie Hendrikson, "Summary of "The Clash of Civilizations and the Remaking of World Order"", beyondintractability, Retrieved 5/6/2021. Edited.
  6. "The Clash of Civilisations? by Samuel Huntington — A Summary", cluelesspoliticalscientist.wordpress, Retrieved 5/6/2021. Edited.