ما هي أسس وعوامل قيام الحضارة؟

تُعرف الحضارة على أنها مجتمع معقد يمتاز بالتطور الحضري والطبقات الاجتماعية وأنظمة الحكم، تتكون الحضارة عادة من العديد من المدن، وتسودها خصائص ثقافية وسياسية واقتصادية مختلفة تميزها عن بقية الحضارات، وتعتبر المستوطنات البشرية حيث يتركز السكان أبرز ما يميز الحضارات، وتتنوع فيها الأعمال بين الزراعة والصناعة والتجارة وغيرها، كما تتميز بجوانب فريدة تشكل نظام الكتابة والفن والآثار والعلوم.^[١][٢]

العوامل الجغرافية لقيام الحضارة

تشمل ما يلي:

• الحماية الطبيعية: يتمثل الحاجز الطبيعي بأحد تضاريس الأرض أو أشكالها البيئية، التي تمتاز بصعوبة التنقل عبرها، وتوفر الحماية الطبيعية للمناطق القريبة منها، وقد وفرت هذه الحواجز الحماية للحضارات من التعرض للغزو، وأعاقت موجات الهجرة من مناطقها، ومن الأمثلة على الحواجز الطبيعية التي ساهمت في نشأة الحضارات: الجبال، والمستنقعات، والصحراء، والمناطق الجليدية.^[٣]
• المصادر المائية: اعتبرت الأنهار مواقع جذبٍ للحضارات، وزودتها بالإمدادات الثابتة من مياه الشرب، كما حافظت على خصوبة التربة المهمة للمحاصيل الزراعية، استخدم البشر الأنهار للتنقل، وكانوا يمارسون الصيد على ضفافها؛ بما في ذلك صيد الأسماك والحيوانات التي تأتي لري ظمأها، وأوجد بني البشر الطواحين عند مصادر المياه لطحن القمح، والقنوات والأنابيب لنقل الماء، والشبكات الخاصة للمياه الجوفية.^[٤][٥]
• المناخ: تعد التغيرات المناخية من العوامل المهمة التي تؤثر على نشوء الحضارات أو انهيارها؛ فالمناخ المسقر يضمن نمو المحاصيل على مر السنين، وهذا بدوره يؤدي إلى استقرار الناس في أماكنهم وتطوير ثقافتهم.^[٦]

العوامل الاقتصادية لقيام الحضارة

تشمل ما يلي:

• الزراعة: ابتكر البشر الزراعة لإنبات كل ما يحتاجونه من طعامٍ في مكان واحد، وبواسطة مجموعة محدودة من الأشخاص (المزارعين)، حيث ساهمت الزراعة في ازدياد أعداد السكان في الحضارات، ونشأة المدن وتطور التجارة، كما ساعد تفرغ المزارعين لممارسة عملهم في توجه بقية السكان للعمل في مجالاتٍ أخرى مثل؛ الحكومة، والجيش، والصناعة، وبشكلٍ عام ازدهرت الحضارات أينما ازدهرت الزراعة؛ وساهمت في استيطان البشر وتطويرهم للبنى التحتية في مجتمعاتهم.^[٧]
• التجارة: اعتمد سكان الحضارات على التجارة لتوفير السلع والموارد التي يحتاجونها ولا يستطيعون إنتاجها،^[٨] كان من بين الموارد التي تمت المتاجرة بها: البهارات، والمعادن، والقماش، وعملت التجارة على زيادة ثروات المدن التي ضمت السلع التجارية، ومع نمو الحضارات، ازدادت حاجة سكانها للموارد؛ مما أدى لتطوير التجارة، ومثلت التجارة أيضًا حلقة وصل بين الحضارات المختلفة، وقوت سبل التواصل بينها والاستفادة من بعضها البعض.^[٩]
• المصادر الطبيعية: اهتمت الحضارات القديمة بالموارد الطبيعية، وتمّ جلبها عن طريق التجارة والتنقيب، واستمدت أهميتها باستخدامها في الصناعات التي حققت للحضارات الثروات الاقتصادية، وقد فرت المصادر الطبيعية المواد الخام لإنتاج السلع، واستخدمت أيضًا في صناعة المواد الغذائية والوقود، من الأمثلة على أهم المصادر الطبيعية: النفط، الفحم، المعادن، الحجر، الرمل، الهواء، التربة، الماء، التربة، ضوء الشمس، كما تعتبر الحيوانات، والطيور، والأسماك، والنباتات من ضمن الموارد الطبيعية.^[١٠][١١]

العوامل الاجتماعية لقيام الحضارة

تشمل ما يلي:

• التقسيم الطبقي (الطبقات الاجتماعية): تعتبر الطبقات الاجتماعية أساس قيام الحضارات المستقرة؛ حيث من دونها ستعم الفوضى المجتمعات وقد يؤدي ذلك لانهيارها، وينظم التقسيم الطبقي دور كل فرد في المجتمع، ويحدد وظيفته؛ سواء أكان عاملاً في الميدان أو جنديًا في الجيش يدافع عن أراضي الحضارة وممتلكاتها، والافتقار إلى التقسيم الطبقي يؤدي بالحاكم ليصبح ديكتاتورًا يقتل كل من يعصي أوامره، ويؤدي أيضًا لتمرد العمال والعبيد ضد من يعملون لديهم، ولن يتمكن التجار والبائعون من بيع سلعهم.^[١٢]
• الاستقرار الاجتماعي: اعتمدت الحضارات في وجودها على الأنظمة والقوانين؛ حيث احتاج البشر لها لتنظيم حياتهم ومنع انهيار المنظومة الأمنية في المجتمعات، واعتبرت الحكومات رأس الاستقرار الأمني في الحضارات، وتمثلت بأشكالٍ وألقابٍ مختلفة، مثل الملك، والفرعون، والكاهن، والديكتاتور.^[١٣]
• الحكومة المنظمة: ازدادت أهمية الحكومة في الحضارات مع ازدياد أعداد السكان، وتولت الحكومات مهمة الحفاظ على النظام وسن القوانين وتطبيقها، بالشكل الذي يحفظ أمن المجتمعات داخليًا وخارجيًا، وتولت الحكومات مهام عديدة، منها الإشراف على الأعمال التجارية، وإدارة المدن وصيانتها، إلى جانب تنظيم سلوك الأفراد ومحاسبتهم، وحماية المواطنين وجمع الضرائب.^[١٤]

العوامل الدينية لقيام الحضارة

تشمل ما يلي:^[١٥]

• الوحدة الدينية: كان الدين أحد العوامل التي وحدت الحضارات؛ باعتبارهِ منظومة من المعتقدات والسلوكيات التي آمن بها سكان الحضارات للتعامل مع معنى الوجود، وأسّس الدين أرضية مشتركة بين الأفراد الذين يتشاركون في نفس المعتقدات، وعزز قيم الثقة والاحترام المتبادلين، مما انعكس إيجابًا على المجتمعات.
• النفوذ الديني: ارتبطت السياسة بالدين قديمًا بشكلٍ وثيق، وكان القادة السياسيون يعملون أيضًا كقادةٍ دينيين، وفي حالاتٍ أخرى، شكل القادة الدينيون مصدر تأييد للقادة السياسيين، ودعموا سلطتهم ونفوذهم في الحضارات، وساعد التنظيم السياسي والديني على نشأة تسلسلات السلطة في المجتمعات، التي رسمت حدودًا بين الأفراد والمجموعات، وفي نفس الوقت الذي تولى فيه القادة السياسيون اتخاذ قراراتٍ ذاتٍ تأثيرٍ شاملٍ على المجتمعات، اكتسب الزعماء الدينيون مكانة خاصة باعتبار أنهم وحدهم الذين يقدرون على التواصل بين المجتمع والآلهة.

العوامل الفكرية لقيام الحضارة

تشمل ما يلي:

• العمارة: وظفت الحضارات القديمة العمارة لتغطية الاحتياجات الأساسية واليومية لسكانها، وللتعبير عن معتقداتها، وتطلعات شعوبها، وتسلسلات المجتمع والسلطة فيها.^[١٦]
• الفن: استخدم الفن قديمًا للتعبير عن توثيق ثقافة وقيم ومعتقدات الحضارات؛ حيث كان القليل من الناس وقتها يجيدون القراءة والكتابة، وكان الفن من أهم الوسائل البديلة لتسجيل الأحداث المهمة،^[١٧] ويعتبر الفن وسيلة للتعبير عن الإنجازات البشرية، وكان يوظف في الحضارات القديمة للعديد من الغايات، التي من أهمها: إرضاء الآلهة، وتخويف الأعداء، وإخضاع الناس، والتمييز بين الثقافات المختلفة، إضافة إلى استخدامهِ للغايات الاقتصادية والشخصية.^[١٨]
• الكتابة: تعتبر الكتابة من أهم الابتكارات التي تميزت بها الحضارات عن بعضها البعض، لكن الغاية منها تشابهت؛ فقد استخدمها سكان الحضارات لتوثيق السجلات، خاصة ما يخص الضرائب وقيمتها، إلى جانب الأعمال التجارية، والمعرفة والأدب وأشكالهما.^[١٩]

عوامل أخرى لقيام الحضارة

يُذكر منها:^[٢٠]

• المدن المتقدمة: يرتبط تقدم المدن بنشأة الحضارات، وقد اكتسبت المدن قديمًا أهميتها من حاجة المزارعين لوجود مكان لتخزين وبيع فائض محصولهم من الحبوب، ومع تقدم الحضارات، اكتسبت المدن مزيدًا من المزايا، مثل تحولها لمراكز دينية وعسكرية لتوفير الحماية من التهديدات الخارجية.
• الأيدي العاملة: تتطلب زيادة أعداد السكان في الحضارات زيادة الإنتاج الغذائي، وبشكلٍ عام يحتاج المجتمع إلى وجود فائض غذائي قبل أن يتطور إلى حضارة، وهذا يتطلب وجود أيدي عاملة تعمل في الزراعة وغيرها من المجالات لتطوير المجتمع.