يعود العصر الجاهلي في مجمله إلى زمن بعيد؛ فهو يشمل أطوار الجزيرة العربية قبل الميلاد وبعده، ولهذا يمكن أن نقسم العصر الجاهلي إلى قسمين هما: الجاهلية القريبة، وهي الفترة التي عاشت فيها الأمم البائدة بخاصة، وعرب الجنوب أثناء فترة ازدهارهم الحضاري، أما القسم الثاني فهي الجاهلية القريبة والتي حددها الجاحظ بين 150 - 200 سنة على الأكثر قبل الإسلام، ولكن أخبار الجاهلية الأولى نادرة باستثناء ما عثر عليه من أرقام ونقوش، كما أن الشعر لم يرد إلا من القسم الثاني من الجاهلية، وتم تأريخ أقدم الشعر بما قبل سنة 565م، وقيل بشعر امرئ القيس.[١]
مفهوم العصر الجاهلي
يعرف العصر الجاهلي المقصود هنا بالفترة التي سبقت العصر الإسلامي وعصر الرسول - عليه الصلاة والسلام-، وسمي بالعصر الجاهلي؛ لأن الشعوب في وقتها كانت تجهل كل ما يتعلق بأمور الديانة الإسلامية؛ فكانوا يعبدون الأوثان، والأصنام، وقد كانوا يتصفون بالغضب، والنزق، والطيش، ولا تعني لفظة الجاهلية الجهل لأننا إذا نظرنا إلى حياة العرب حينئذ تبيّن أن هذا اللفظ ليس بهذا المعنى لا سيما أن عرب الجنوب كانوا عون بحضارة راقية، كما أنّهم امتلكوا العلم وقد ذُكر عنهم براعتهم في اللغة، والقراءة، والكتابة بكل فروعها، وعرف عنهم الاهتمام بالجغرافيا بسبب رحلاتهم التجارية البحرية والبرية؛ لذا فإن وصفهم بالعصر الجاهلي دلالة على جهلهم بالدين الإسلامي لا أكثر.[٢][١]
ميزات العصر الجاهلي
هناك الكثير من الميزات التي امتاز بها العصر الجاهلي، ومنها:[٣]
- كانت شبه الجزيرة العربية منفتحة على العالم الخارجي، وكانت مُحاطة ببعض الإمبراطوريات والممالك العظيمة مثل: الإمبراطورية البيزنطية، والمملكة الفارسية، ومملكة سيميار.
- تمتع العصر الجاهلي بتنوع ديني كبير؛ فكانت تشتهر فيها الديانات المسيحية، واليهودية، وغيرها.
- وجدت بعض الآثار لنقوش بالخط العربي القديم، والخط الجنوبي القديم، والنقوش الآرامية التي تعود للعصر الجاهلي؛ مما يعني أنّهم حرصّوا على كتابة ونقش أساسيات حضارتهم.
- اعتمد الكتّاب في العصر الجاهلي بشكل كبير على الأدب في التعبير عن أنفسهم، وتوثيق الأحداث المهمة في عصرهم.
- اشتهرت كتابة الشعر في العصر الجاهلي كثيراً خاصة باللغة العربية؛ بحيث كانت هي اللغة السائدة في ذلك العصر.
- كانت التجارة من أكثر المهن التي يُمارسها الأفراد في العصر الجاهلي، وأشهرها التجارة في إنتاج اللبان والمر، والبهارات، والبخور، وغيرها.
الحياة الاجتماعية في العصر الجاهلي
نظرًا لأن أغلب شعوب العصر الجاهلي كانوا من البدو، اتسمت حياتهم الاجتماعية بسمات البدو، مثل:[٤]
- العصبية القبلية: كان الفرد يكتسب ذاته من اسم عائلته أو قبيلته التي ينتمي لها، ويعتبرها وطنه، وكان يأخذ هويته الخاصة من نسبه.
- الصراعات: كانت تكثر الصراعات التي يُراق بها الدم بين القبائل.
- الطبقات الاجتماعية: كل قبيلة من قبائل الجاهلية كانت تُمثّل مجتمعاً صغيراً، وكانت تنقسم لأربع فئات رئيسية:
- الأحرار: وهم أصحاب النسب وأبناء القبيلة العرب، وهم زعماء القبيلة.
- الموالي: وهم الرقيق الذين أعتقت القبيلة رقابهم.
- العبيد: وهم الرقيق الذين أسروا في الحروب، أو تم إحضارهم من البلاد الأجنبية.
- المخلوعون: وهم الأشخاص الذين تخلّت عنهم قبيلتهم وتبرأت منهم.
- الكرم: امتازت مجتمعات الجاهلية بالكرم الشديد، وحسن الضيافة، والسخاء.
- الثأر: من أساسيات الجاهلية هي الثأر لقتلاهم، وحتى لو تفاقمت حتى أصبحت حربًا.
الحياة السياسية في العصر الجاهلي
الظروف السياسية في العصر الجاهلي:[٥][٦]
- لم تكن هناك قوانين سياسية محددة في العصر الجاهلي، ولم يكن هناك حكومة.
- لم يُعرف مصطلح الحُكم أو رجال الشرطة، ولهذا السبب كان الأفراد يأخذون حقوقهم بأيديهم.
- كان يتم اختيار زعيم للقبيلة يكون بمثابة حاكِم لها، وهو من يأخذ جميع قرارات القضايا المتعلقة بالقبيلة، ولم يكن هناك أي حكومة نظامية.
- كان يتم اختيار زعيم القبيلة بناءً على مكانته الاجتماعية (عائلته ونسبه) في القبيلة فقط لا غير.
أهم الجوانب في العصر الجاهلي
طبيعة الاقتصاد
طبيعة الجانب الاقتصادي في العصر الجاهلي:[٧]
- كانت العبودية من أهم أسس الاقتصاد في العصر الجاهلي.
- كان أقوى العرب غالباً يكون من مقرضي الأموال والرأثرياء (الرأسماليين).
- بني الاقتصاد في العصر الجاهلي من التجارة، وإقراض المال للقبائل أو الدول المجاورة.
- كانت مكة في العصر الجاهلي مركزًا تجاريًا، وانتقلت القوافل منها إلى سوريا في الصيف واليمن في الشتاء.
- عمومًا كان الجانب الاقتصادي في العصر الجاهلي سيئًا؛ لعدم امتلاكهم صناعة خاصة بهم، ولأن غالبية الأراضي الزراعية كانت تحت سيطرة اليهود.[٦]
العلوم والمعارف
طبيعة العلوم والمعارف في العصر الجاهلي:[٨]
- امتلكوا علماً في الزراعة، وري الأراضي، وهندسة المدن وإقامتها.
- أخذوا فنون الحرب نقلًا عن الممالك والمدن المجاورة؛ الفرس والروم.
- في العصر الجاهلي لم ينتشر بينهم أي علوم أو صناعات مميزة - بناءً على ما أقوال ابن خلدون-.
- اهتموا كثيرًا بما يتعلّق بعلوم النجوم ودراستها.
- كان الطب عندهم قاصراً ومستنداً على الخرافات، مثل أن عظام الميت تشفي من الجنون، واعتمدوا العلاج الروحي؛ مثل العلاج بالعزائم والرقّى، ولهذا فلم يكن يستند على قواعد علمية، وإنما عرفوا ما عرفوه منه بالتجربة؛ مثل التطبب بالعقارات الطبية والكي بالنار، وقد توصلّوا لها وجربوها وبحثوا عنها للضرورة لأجل الشفاء وليس لأجل العلم والمعرفة بحد ذاتها.
- اعتمدوا العلاج الروحي؛ مثل العلاج بالعزائم والرقّى.
- تميزوا فيما يتعلق بعلوم ومعارف الطب البيطري؛ بحيث عرفوا كيفية شفاء الحيوانات من معظم أمراضها.
اللغة والديانة
بدأت اللغة العربية بالانتشار في شمال البلاد العربية منذ أوائل القرن الرابع الميلادي،[٩] وتعددت الديانات في العصر الجاهلي، والأكثر انتشارًا كانت:[١٠]
- الديانة الوثنية: كانت الوثنية منتشرة في بلاد العرب؛ وفيها كانوا يتجهون لعبادة الأوثان المختلفة مثل المظاهر الفلكية (النجوم والقمر)، والمظاهر الطبيعية (الأشجار)، والحجارة، والتماثيل، والأصنام المنحوتة (أشهرها اللات والعزى) ويقدمون لها الذبائح والقرابين، كما كانوا يعبدون الحيوانات المختلفة مثل الغزلان، والآرام، والضبيان.
- الديانة المسيحية: تعد الديانة المسيحية من الديانات التي انتشرت كثيرًا في عصر الجاهلية؛ فقد انتشر المبشرون الذين يدعون لها في مختلف البلاد والمناطق، وانتشرت تعاليمها بين الشعوب بكثرة، وبنوا الكنائس.
- الديانة اليهودية: وصلت الديانة اليهودية إلى أغلب مناطق شبه الجزيرة العربية في العصر الجاهلي، ولكن تأثيرها كان قليلاً، وحاولوا كثيرًا نشرها حتى تصبح أكثر انتشارًا من الديانة المسيحية ولكن لم يفلحوا بذلك.
- الديانة الصابئة والمجوسية: ينسب أصحاب الديانة الصابئة ديانتهم القائمة على عبادة الكواكب والأصنام إلى سيدنا نوح وسيدنا إبراهيم، وحرموا تعذيب الحيوان وقتله وأكله (إلا ما أحل منها).
- الزندقة: وهم أتباع مزدك؛ الذين اتبعوا قباذ بن فيروز ملك الفرس.
الفنون والآداب
من أهم المعلومات عن طبيعة الفنون والآداب في العصر الجاهلي:[١١][١٢]
- اشتهر أدب الشعر في العصر الجاهلي، وكان يرافق الأفراد في جميع نواحي حياتهم.
- اتبعوّا القوافي، والأوزان، والبحور، والنظم الشعرية في كتابة الشعر، ووصلوا أوجها في أيام مهلهل.
- كانوا ينشرون فنونهم وآدابهم في الأسواق؛ ويلقون فيها الخُطب، وينشدون فيها القصائد، وأشهرها سوق عكاظ.
- اشتهرت آدابهم المختلفة بألفاظها البديعة، والأساليب الفريدة التي لم تكن عند أحد آخر غير عربي في عصر الجاهلية.
- برزت فنونهم في الصناعات الخشبية، والأدوات المنزلية، وصناعة الجلود ودباغتها.
- احترفوا صناعة الغزل والنسيج والجزارة، والحدادة، ولكن لم يشجعوا ما تبقى من الحرف.
- احترف بعض أهل مكة في عصر الجاهلية فن صياغة المجوهرات المصنوعة من الذهب والفضة -نظرًا لتواجد مناجم متعددة بالمنطقة- مثل القلائد، والخلاخل، والأساور.
- اشتهروا بفن البناء، وبناء المنازل من الطوب والحجارة المنقوشة، وبناء التماثيل المصورة.
حقائق أخرى عن العصر الجاهلي
هناك بعض الحقائق الإضافية في جوانب الحياة الأخرى التي تتعلق بالعصر الجاهلي، وأبرزها:[٢][٤]
- كانوا يهتدون للطرق في رحلاتهم وأسفارهم بالاعتماد على حركة الشمس، والقمر، والنجوم، وكانوا يستعينون بها لمعرفة التنبؤات الجوية أيضًا، مثل حدوث الأمطار، ومهاب الرياح.
- استطاعوا تقفي أثر أقدام البشر والحيوانات، والاستدلال على أماكن وجود المياه الجوفية بناءً على تراب الأرض وما به من أعشاب.
- استطاعوا الاستدلال على أخلاق وسلوك الفرد من حركاته وهيئته، وكما استدلوا من صفات الأفراد المشتركة على تشارك النسب فيما بينهم.
- انتشر في العصر الجاهلي الصعاليك؛ وهم شعراء فقراء، ويتمتعون بقوة جسدية وسرعة عدو عالية، وكانوا يعيشون على أطراف الطرق.
- امتلكت النساء في العصر الجاهلي الأموال، وعملت في التجارة، وكان يتم التغني بها في الشعر.
المراجع
- ^ أ ب ديزيره سقال، العرب في العصر الجاهلي، صفحة 68-70. بتصرّف.
- ^ أ ب زينب فاضل رزوقي مرجان (13/03/2018)، "الفكر العربي في العصر الجاهلي"، جامعة بابل، اطّلع عليه بتاريخ 2/5/2021. بتصرّف.
- ↑ Ilkka Lindstedt, Early MusIims, Pre islamic Arabia, and Pagans, Page 1 - 17. Edited.
- ^ أ ب الدكتور ديزيره سقال، العرب في العصر الجاهلي، صفحة 81 - 105. بتصرّف.
- ↑ "Political conditions in Arabia before Islam", prezi, Retrieved 3/5/2021. Edited.
- ^ أ ب "CONDITIONS OF ARABIA BEFORE ISLAM", oalevelacademy, Retrieved 3/5/2021. Edited.
- ↑ "Economic conditions in Arabia before Islam", prezi, Retrieved 3/5/2021. Edited.
- ↑ دكتور شوقي ضيف، العصر الجاهلي، صفحة 81-84 _ 104. بتصرّف.
- ↑
- ↑ علي إبراهيم حسن، التاريخ الإسلامى العام: الجاهلية الدولة العربية الدولة العباسية، صفحة 125 -162. بتصرّف.
- ↑ أسعد داغر، حضارة العرب، صفحة 133-155. بتصرّف.
- ↑ عبد المعطي بن محمد عبد المعطي سمسم (2016)، "المنظور االجتماعي واالقتصادي للحرف والصناعات بمكة قبيل البعثة من خالل كتاب الفاكهي"، مجلة كلية التربية األساسية للعلوم التربوية واإلنسانية / جامعة بابل، العدد 26، صفحة 69-85. بتصرّف.