ولد الخليفة الأموي الخامس عبد الملك بن مروان، في المدينة المنورة في العام 646/647 م، ونشأ في المدينة المنورة في كنف والده مروان بن الحكم؛ الذي حرص على تعليمه تعليمًا دينيًا، وقد تولى أول مسؤوليات إدارية في حياته عندما بلغ 16 عامًا في عهد الخليفة معاوية بن أبي سفيان، ولعل أبرز الإنجازات التي حققها عبد الملك بن مروان هي توحيد الدولة الإسلامية، وإعادة تنظيم الإدارة الحكومية في جميع أنحائها، واعتماد اللغة العربية في الإدارة، ومات في دمشق في العام 705م.[١]


خلافة عبد الملك بن مروان

بعد استيلاء ابن الزبير على الحجاز تم إجلاء بني أميّة من المدينة المنورة للشام، ومن ضمنهم كان مروان بن الحكم وأبناؤه، وتمت مُبايعة مروان بن الحكم من قِبَل الأمويين على الخلافة في الشام ومصر، وفي سنة 65 هجرياً قام الحكم بن مروان قبل موته بمُبايعة أبنائِه عبد الملك بن مروان وعبد العزيز بن مروان على الخلافة من بعده، وتمت المبايعة بتدبير من حسان بن بجدل الكلبي، وبعد أن مات مروان بن الحكم تمت مُبايعة عبد الملك بن مروان على خلافة مصر والشام.[٢]


أهم صفات عبد الملك بن مروان

كان عبد الملك بن مروان جميل الخَلق، ومن أهم صفات عبد الملك بن مروان الخُلقية:[٣]

  • ثابت العزم، وقوي الإرادة، ويسعى جاهدًا لتحقيق غاياته بإصرار.
  • تميز بشجاعته الهائلة؛ حيث كان لا يخشى المخاطر، ولا يهاب الصعاب.
  • كان قائدًا فذًا، وزعيمًا عظيمًا.
  • تمتع بالحزم الشديد، وكان ثابتًا في مواجهة المصاعب، ولا يخشى اتخاذ القرارات.
  • تميزت شخصيته العامة بالقوة بجميع صفاته؛ حيث كان قوي الإرادة، والعزم، والسلوك، والتنفيذ.
  • امتلك مهارات القائد مثل اتخاذ القرارات النهائية، وحل المشكلات والأزمات.
  • كان شديدًا في تعامله مع أهل مدينته كما أظهرت وصيته للحجاج؛ حتى لا يثوروا عليه.
  • لم يكن ضعيفًا أو متهاونًا مع أي شخص؛ لأنه يرى بالشدّة والحزم نجاة الأمة ونجاحها.
  • تمتع بثقة كبيرة بنفسه وبطريقة خلافته.
  • لم يكن مُتسلطًا أو مستبدًا، وكان يميل للعفو، والمسالمة، والود.
  • كان حكيمًا وسديد الرأي، وشخصيته متزنة، ويُحسن معاملة قومه بشكل عام.
  • تمتع بروح إنسانية عالية، وسماحة وعطف كبيرين.
  • كان رجل الواجب، وتمكن من تحمل المسؤولية.
  • تميز برجاحة وقوة عقله، وتغلب عقله على عاطفته في الحكم.


السياسة المالية في عهد عبد الملك بن مروان

ارتكز النظام المالي في عهد عبد الملك بن مروان على الأمور الآتية:[٤]

  • مصادر دخل الدولة: اعتمدت الدولة في مصادر دخلها بشكل أساسي على الزكاة، والخراج، والجزية، وخُمس الغنائم، والعشور، والصوائف.
  • النفقات العامة: اعتمد عبد الملك بن مروان في سياسته المالية على تخصيص المال للنفقات العامة، والتي كانت توزع على النفقات العسكرية، ونفقات الصناعات الحربية، والنفقات الإدارية مثل رواتب الكتّاب، ورواتب الولاة والقضاة، ورواتب موظفي الدولة.
  • القطاع الزراعي: شهد تطورًا كبيرًا في عهد عبد الملك بن مروان؛ مما زاد من حصيلة خراج الشام والجزيرة، وقد ساهم بذلك الاستقرار النقدي في المنطقة.
  • القطاع التجاري: تراجعت التجارة الداخلية بشكل كبير في عهد الملك بن مروان، وربما يكون ذلك بسبب كثرة الفتن الداخلية، وقلة السيولة النقدية، وارتفاع نسبة الضرائب على التجار، ومن بعد العام 77 هجرياً بدأت التجارة بالازدهار والتحسن.
  • ضرب العملة: تطور نظام العملة في عهد عبد الملك بن مروان؛ حيث كان العالم الإسلامي يتعامل بالدراهم والدنانير الفارسية والرومية، ولذا تم تأسيس دور الضرب التي تُضرب بها الدنانير.
  • تعريب النقد: قام عبد الملك بن مروان بتعريب النقد بشكل نهائي، واستبدل الكتابات التي عليها بعبارات تدل على العقيدة الإسلامية، وغيّر أوازنها.


مبادئ عبد الملك بن مروان أثناء الخلافة

اهتم عبد الملك بن مروان كثيرًا بإدارة شؤون الدولة، وقد أكمل ما بدأه عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- ومعاوية بن أبي سفيان، وقد حقق العديد من الإصلاحات، وخصوصًا في تطوير الجهاز الإداري وحركة التعريب،[٥] واعتمد في خلافته على المبادئ الآتية:[٦]

  • الشورى: حيث اعتمد على المشاورة في إنجاز مهام الدولة، وهو من قال "المشاورة تفتح مغاليق الأمور"، وكان من أكبر مستشاريه ربيعة الجرشي، وروح بن زنباع.
  • أهل الشام: اعتمد كثيرًا على أهل الشام؛ بسبب إخلاصهم له، وكان يُخاطبهم بخطب مؤثرة وجميلة، وكانت خطبه توضح حبه وحمايته لهم.
  • الشخص المناسب في المكان المناسب: اعتمد على مبدأ تعيين الشخص المناسب في المكان المناسب، حيث يوكل المهام لأصحابها، وكان يُحسن معاملة القادة، ويُكرمهم، ويزورهم عند مرضهم.
  • مُتابعة أخبار الولاة والعمال: اهتم بشؤون دولته حتى كان يُتابع نزاهة الموظفين، ويراقب استقامة أخلاقهم، ولم يكن يقبل الخيانة أو الدناءة أو الجهل بهم، كما كان يُحقق مع العمال المشتبه بهم، ولم يتوانَ عن فصل من لم يقم بعمله كما يجب.
  • التوازن القبلي وتوظيف الأقارب: كان الخليفة يختار الموظفين من أقربائه من أفراد البيت الأموي، ويضعهم في المناصب المختلفة، ومع ذلك كان يُراقبهم جيدًا، ويعزل من يتخاذل أو لا يقوم بواجبه على أكمل وجه، وقام باختيار موظفي الإدارة من قبائل عرب الجنوب؛ لحفظ التوازن القبلي.
  • التسامُح مع أهل الكتاب: كان يتسامح كثيرًا مع أهل الذمة، وسمح لهم بممارسة طقوسهم الدينية بحرية، ووثق بهم، وأشغلهم بالمناصب الإدارية المختلفة بالدولة.
  • احترام الشخصيات البارزة: كان يُقدم الاحترام والتقدير للشخصيات البارزة في المجتمع، ويحرص على كسب تأييدهم، وتوثيق علاقته بهم.
  • محاربة المداهنة: لم يسمح لأحد بأن يُنافقه أو يداهنه مهما كان، ولم يضيع وقته فيما ليس به فائدة.


الولاية في عهد عبد الملك بن مروان

يُعتبر عبد الملك بن مروان المؤسس الحقيقي لنظام الولاية؛ لأنه أول من جعل النظام الإداري والإدارة المالية باللغة العربية، ومن أهم مسؤوليات وامتيازات الوالي في عهد عبد الملك بن مروان:[٧]

  • إمامة الناس في الصلاة، وقيادة الجيوش الإسلامية في ولايته.
  • تعيين عمال الولاية وإدارتهم، وكان يقوم بتعيين الكتاب، وصاحب الخراج، والعامل.
  • قمع محاولات التمرد.
  • تقاضى الوالي ما مقداره 25 ألف درهم شهريًا.
  • كان البريد يُشرف على الوالي وأعماله.
  • كان عبد الملك بن مروان مؤمنًا بمبدأ تحجيم الولاة إذا أراد أحد من الولاة تجاوز الخطوط الحمراء؛ حيث كان يقوم بتحجيمهم، ولم يسمح لهم بتخطي أي حدود.[٨]


وفاة عبد الملك بن مروان

قام عبد الملك بن مروان بمُبايعة الخلافة لابنه الوليد بن عبد الملك ومن بعده ابنه سليمان بن عبد الملك، وذلك في العام 85 هجرياً بعد وفاة ولي العهد عبد العزيز بن مروان، وفي العام 86 هجرياً كانت الدولة الإسلامية وحدة واحدة تحت الراية الأموية، وكانت أمورها مستقرة، وكان عبد الملك بن مروان قد قضى 21 عامًا في الحكم، وأصبح عمره 62 عامًا، ومرض مرضًا شديدًا لم يتمكن من علاجه حتى توفاه الله، وذلك بعد انتهاء شهر رمضان من العام 86 هجرياً، وكان قد أوصى بنيه من بعده بتقوى الله وطاعته من بعده.[٩]

المراجع

  1. Tarif Khalidi (29/7/2021), "ʿAbd al-Malik", britannica, Retrieved 6/9/2021. Edited.
  2. خليل إبراهيم جفال، الخليفة عبد الملك بن مروان: الناقد الأدبي، صفحة 99. بتصرّف.
  3. ضياء الدين ريس، عبد الملك بن مروان موحد الدولة العربية، صفحة 290-302. بتصرّف.
  4. علي محمد الصلابي، خلافة عبد الملك بن مروان ودوره في الفتوحات الإسلامية، صفحة 191-206. بتصرّف.
  5. محمد سهيل طقوش، تاريخ الدولة الأموية، صفحة 98. بتصرّف.
  6. محمد علي الصلابي، خلافة عبد الملك بن مروان ودوره في الفتوحات الإسلامية، صفحة 175-184. بتصرّف.
  7. صلاح طهبوب، العصر الأموي، صفحة 167-169. بتصرّف.
  8. علي محمد الصلابي، الدولة الأموية: عوامل الازدهار وتداعيات الانهيار، صفحة 674. بتصرّف.
  9. محمد ضياء الدين الريس، عبد الملك بن مروان والدولة الأموية، صفحة 251-252. بتصرّف.