عندما اشتدّ المرض بأبي بكرٍ الصديق جمع الناس إليه، وأخبرهم أنه سيموت لا محال، وأمرهم بأَن يختاروا خليفةً من أهل الصلاح بعد وفاته، فتشاور الصحابة عليهم رضوان الله فيما بينهم، فرجعوا إليه وقالوا: رأينا يا خليفة رسول الله رأيك، فأجاب: أمهلوني حتى أنظر الله، ولدينه، ولعباده، فاستدعى أبو بكرٍ الصحابة ليسألهم عن عمر بن الخطاب وهو أعلم به، وكانوا كلّهم برأي واحد تقريبًا ثم كتب عهدًا مكتوبًا يُقرأ على الناس بولاية عمر بن الخطاب.[١]
نسب الخليفة عمر بن الخطاب
أهم المعلومات عن نسب الخليفة عمر بن الخطاب:[٢][٣]
- اسمه ونسبه: عمر بن الخطاب بن نُفيل بن عبد العُزى بن رباح بن عبد الله بن قرط بن رزاح بن عدي بن كعب.
- كنيته: كان عمر بن الخطاب يُكنّى بأبي حفص.
- ألقابه: لَقّب الرسول عليه السلام عمر بن الخطاب بالفاروق، حيث قال عليه السلام "إن الله جعل الحق على لسان عمر وقلبه، وهو الفاروق، فرّق الله به بين الحق والباطل".
- تاريخ ولادته: وُلد عمر بن الخطاب بعد عام الفيل ب 13 سنة، وقيل ولد قبل الفجار الأعظم الآخر بأربع سنين، والأول أصح.
صفات الفاروق عمر بن الخطاب
لعمر بن الخطاب الكثير من الصفات الخُلقية التي عرُف بها، نذكر منها الآتي:[٤]
- الزهد: كان عمر زاهدًا في الدنيا مُقبلًا على ما عند الله، ومن أقوال الصحابة رضي الله عليهم في زهد عمر رضي الله عنه ما روي عن سعد بن أبي وقاص أنه قال فيه: والله ما كان بأقدمنا إسلامًا، ولكن قد عرفت بأي شيٍ فضلنا، كان أزهدنا في الدنيا.
- الصبر: وهي من الصفات التي أمرنا بها الله تعالى، ورتب عليها الأجر والثواب، حيث أن جميع الصفات التي اتّصف بها عمر بن الخطاب من الخوف من الله تعالى واستشعار رقابته، والزّهد، جميع تلك الصفات أساسها الصّبر.
- قوة الشخصية: كان عمر بن الخطاب يتمتع بشخصية قويّة وهيبة لمن حوله، فقد كان يهابه مَن حوله من صحابة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فضلًا عن بقية رعيّته.
- الكرم والسَّماحة: اتّصف عمر بن الخطاب بالسماحة والكرم، فكان رضي الله عنه سخيًّا كثير الإنفاق في سبيل الله، كما كان يُكرم رعيّته ويواسيهم، حيث كان يتسابق مع أبي بكرٍ الصديق في الصدقة، فتصدّق بأغلى وأحبّ مالٍ عنده وهو أرضه بخَيْبر.
- سماع الحق وقبوله والعودة إليه: عُرف عنه رضي الله عنه بعدم التّعصّب لرأيه، فلمّا ذّكر بن تميم وذمّتهم، طلَبَ منه الأحنف أنه قال لعمر إنّه لمّا ذكر بني تميم ذمتهم جميعًا، وأنهم مثلهم مثل غيرهم فيهم السيّئ والخيّر، فلما سمع عمر ذلك تراجع عن قوله.
- القويّ: كان علي بن أبي طالب يُسمّيه القويّ الأمين؛ لقوّته في ذات الله.[٥]
علم عمر بن الخطاب
من فضائل عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه أوتيَ الدين، والفقه، والشيء العظيم من العِلم، ولا يأتي ذلك إلا من الإخلاص لله تعالى في السّر والعلَن، وقد شهد الصحابة على علم عمر، فقد قال عبد الله بن مسعود: لو أن علم عمر بن الخطاب وُضع في كفة الميزان، ووُضع علم الأرض في كفّة لرجحَ علم عمر، كما قال أيضًا: إنّي لأحسب عمر قد ذهب بتسعة أعشار العلم، ومن المشاهد التي تدلّ على علمه:[٦]
- كان عمر بن الخطاب يتمتّع بنظرٍ ثاقب، وفهمٍ سديد، فلم يكن يحفظ العلم دونما فقه، كما كان يتحرك في كل الجهات، يعرف لكلّ موقف ما يناسبه.
- كان يتمتع بنظراتٍ ثاقبة تُجلي كلّ غامض، وتدخل الحنايا فتكشف الخفايا، وتنفذ إلى أعماق الأمور، كما كان عليمًا بأحداث الدنيا وأسرار الحياة.
- اتّصفَ رضي الله عنه بفقهٍ عظيم بطبائع النفوس، فلا تغرّه المظاهر لتكوين أحكام على الناس، فقد كان يقضي بذكائه لا بعواطفه، كما لم يكن يرضى بالأحكام الجزئية الممزّقة.
- حريص على اتّباع سنة رسول الله عليه السلام، فقد كان حافظًا للقرآن الكريم كاملًا مع أسباب التنزيل إلا ما سبق نزوله قبل إسلامه.
- كان رضي الله عنه أحد 17 رجلًا في قريش ممّن يعرفون القراءة والكتابة، ممّا جعله مؤهّلًا لحمل هذا الكم العظيم من المعارف والعلوم.
الحريات في زمن الخليفة عمر بن الخطاب
تعد الحريات من المبادئ الرئيسية التي قام عليها الحكم في عهد الخلفاء الراشدين، ومن ضمن الحريات العامة التي كانت ضمن الشريعة الإسلامية:[٧]
- حرية العقيدة الإسلامية: إذ أنّ الدين الإسلامي لم يُكره أحدًا على اعتناق الإسلام، ولكنه دعا إلى التأمّل والتّفكر في كون الله ومخلوقاته وفي هذا الدين، كما أمر أتباعه أن يجادلوا الناس بالتي هي أحسن.
- حرية التنقل: حرص عمر على حرية الغدوّ والرّواح حرصًا شديدًا، ولكنه قيّدها في بعض الحالات الاستثنائية الضرورية، وهي قليلة جدًا ومنها: منعه لكبار الصحابة في المدينة من الذهاب إلى الأقطار المفتوحة إلّا بإذنٍ منه، أو لمهمة رسميّة منه؛ وذلك لأخذ مشورتهم والرجوع إليها فيما يُصادف من مشاكل في الحكم، بالإضافة إلى ذلك؛ فقد كان ذلك لمنع وقوع أي فتن أو انقسام في صفوف المسلمين في حال خروجهم للأمصار واستقرارهم فيها.
- حق الملكية والمسكن وحق الأمن: أقرّ الإسلام حقّ الأمن في الكثير من الآيات القرآنيّة، كما عرف أيضًا حق الحياة، والذي هو أوسع من حق الأمن، فهو يضمن حماية الإنسان ودمه من أي اعتداء أو تهديد، لذلك تكفّل الفاروق في عهده للأفراد بحق الأمن وحق الحياة، وسهر على صيانتها وحمايتها من أي تطاول أو عبث.
- حرية الرأي: كان عمر يترك الناس يبدون آراءهم السديدة، ولا يمنعهم ولا يقيدهم من الإفصاح عمّا تكنّه صدورهم، كما ترك لهم الاجتهاد في المسائل التي لا نصّ لها.
الفتوحات في عهد عمر بن الخطاب
أهم الفتوحات التي حدثت في عهد عمر هي:[٨]
- فتح دمشق: فُتحت دمشق في السنة 14 للهجرة من شهر رجب، وبحسب رواية ابن إسحاق فإنّ ذلك كان بعد سير المسلمين إليها مع أميرهم خالد، فبقوا هناك حتى منّ الله عليهم، ففُتحت دمشق صُلحًا بعد أن حاصروها أربعةَ عشر شهرًا، فكتبَ إلى عمر ليُخبره بالفتح.
- فتح حمص وبعلبك: فتُحت حمص وبعلبك بعد فتح دمشق، إذ سار الجيش بقيادة أبي عبيدة بـ 12 ألفًا، وفتحها صُلحًا، وكان ذلك في أواخر السنة 14 هجرياً، كما قيل فُتحت حمص في السنة 15.
- فتح الأردن: فُتحت الأردن كلّها على يد شرحبيل بن حسنة، إلا طبرية؛ فقد فُتحت صُلحًا بأمر من أبي عبيدة، وذلك في السنة 15 من شهر رجب، فكانت معركة اليرموك بين الروم والمسلمين.[٩]
- فتح مصر: توجه عمرو بن العاص إلى مصر في السنة 20 هجرية، فكانت معركة عين شمس، وهي الطريق لتحرير مصر، فانتصر بها عمرو بن العاص، وبعث إلى عمر ليطلب منه المدد، فأرسل له مددًا، ثم اتجه نحو حصن نابليون وفتحه بالصلح، ودفع أهلها الجزية، ثم فُتحت بعدها الإسكندرية، والتي كانت نهاية الأقاليم التابعة لمصر.[١٠]
أسباب إدارة التغيير عند عمر بن الخطاب
من أهم المعلومات:[١١]
- شدة خوفه من الله تعالى كانت دافعًا له لجعل التغيير ناجحًا: فقد كان يحاسب نفسه حسابًا عسيرًا، فإذا خُيّل إليه أنه أخطأ في حقّ أحد طلبه وأمره بأن يقتصّ منه.
- كثرة النزاع والتشاجر بعد انتشار الإسلام وعدم استقلال القضاء: بسبب اتساع رقعة الدولة الإسلامية كان يجب تطوير القضاء، فقد كثُرت مشاغل الخليفة، وتشعّبت أعمال الولاة في الأمصار المختلفة، وزاد النزاع والتشاجر، فرأى عمر أن يفصل الولايات عن بعضها، وأن يجعل سلطة القضاء مستقلة.
- قيود حدود الملكية وطريقة استعمالها للعامة: من أهم الأمور التي كانت تدل على تغليب المصلحة العامة على المصلحة الخاصة لدى عمر، وذلك حتى لا يقع مشاكل في استعمالها.
إنجازات الخليفة عمر بن الخطاب
من أهم الأعمال التي قام بها عمر هي:[١٢]
- توسيع المسجد الحرام وتجديده أثناء رحلته إلى مكة لأداء شعيرة العمرة.
- جمع القرآن الكريم، فقد اقتضت الحاجة لجمع القرآن بعد وفاة النبي عليه السلام، وذلك بسبب حروب الردة التي أسفرت عن استشهاد الكثير من حفظة القرآن الكريم.[١٣]
- اتخذ بيتًا لمال المسلمين؛ حيث كانت إيراداته من زكاة المسلمين، وجزية أهل الذمّة، وخُمس الغنائم، ومواريث مَن ليس لهم وارث من موتى المسلمين.[١٤]
معاهدة عمر بن الخطاب مع أهل بيت المقدس
أعطى عمر بن الخطاب أهل بيت المقدس الأمان بموجب معاهدة عام 15 هجرية، وكان من أهم بنودها أنه أعطاهم الأمان لأنفسهم، وكنائسهم، وأموالهم، وصلبانهم، حيث لا تُسكن كنائسهم ولا تُهدم، ولا ينتقص منها ولا من حيّزها ولا من صليبهم، ولا من شيء من أموالهم، كما لا يُضار أحدٌ منهم، ولا يُسكن بإيليا معهم أحدٌ من اليهود، وفي المقابل على أهل إيليا أن يعطوا الجزية كما يعطي أهل المدائن، ومَن أقام منهم فيها فهو آمن ولكن عليه مثل ما على أهل إيليا من الجزية، وشهد على تلك المعاهدة خالد بن الوليد، وعمرو بن العاص، وعبد الرحمن بن عوف، ومعاوية بن أبي سفيان.[١٥]
وفاة الخليفة عمر بن الخطاب
- توفي عمر بن الخطاب من شهر ذي الحجة في السنة 23 للهجرة، وعاش 63 سنة، وذلك عندما كان يُسوّي صفوف المسلمين كعادته في صلاة الفجر، وعندما بدأ بالتكبير للصلاة، جاء رجلٌ يُدعى بأبي لؤلؤة المجوسي وطعنه بخنجرٍ مسموم عدّة طعنات، فقطّع أمعاءه، وسقط -رضي الله عنه- مغشيًا عليه، فحمل الصحابة عمر إلى بيته، وبقي فاقدًا للوعي فترةً طويلة، ولمّا استيقظ سألهم عن أدائهم لصلاة الفجر، ثم سأل عن قاتله، فقالوا: أبو لؤلؤة، ودُفن عمر بجوار سيدنا محمد- صلى الله عليه وسلم-، في حجرة السيدة عائشة.[١٦][١٧]
المراجع
- ↑ علي محمد محمد الصلابي، سيرة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، صفحة 74-75. بتصرّف.
- ↑ أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد ، مناقب أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، صفحة 13-24. بتصرّف.
- ↑ عبد الستار الشيخ، عمر بن الخطاب، صفحة 30. بتصرّف.
- ↑ عبد السلام بن محسن آل عيسى، كتاب دراسة نقدية في المرويات الواردة في شخصية عمر بن الخطاب وسياسته الإدارية رضي الله عنه، صفحة 336_360. بتصرّف.
- ↑ عبد الستار الشيخ، عمر بن الخطاب الخليفة الراشدي العظيم والإمام العادل الرحيم، صفحة 26-27. بتصرّف.
- ↑ "علم وفقه الفاروق رضي الله عنه"، إسلام ويب، اطّلع عليه بتاريخ 16/8/2021. بتصرّف.
- ↑ علي محمد محمد الصلابي، فصل الخطاب في سيرة ابن الخطاب أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، صفحة 119_130. بتصرّف.
- ↑ شمس الدين الذهبي، تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام، صفحة 65. بتصرّف.
- ↑ سعيد حوّى ، كتاب الأساس في السنة وفقهها، صفحة 683. بتصرّف.
- ↑ محمود شاكر، موسوعة الفتوحات الإسلامية، صفحة 81-82. بتصرّف.
- ↑ رقية صلاح الشريف، إدارة التغيير في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، صفحة 117-126. بتصرّف.
- ↑ إسماعيل التيمي، الخلفاء الأربعة أبو بكر عُمَر عُثمان علي أيامهم وسيرهم، صفحة 133. بتصرّف.
- ↑ عبد الستار الشيخ، عمر بن الخطاب الخليفة الراشدي العظيم والإمام العادل، صفحة 258. بتصرّف.
- ↑ أمين القضاة، الخلفاء الراشدون أعمال وأحداث، صفحة 65. بتصرّف.
- ↑ "معاهدة عمر بن الخطاب مع أهل بيت المقدس (15 هجرية)"، مكتبة حقوق الإنسان، اطّلع عليه بتاريخ 25/8/2021. بتصرّف.
- ↑ مجموعة من المؤلفين، كتاب الموسوعة الموجزة في التاريخ الإسلامي، صفحة 929. بتصرّف.
- ↑ عبد الستار الشيخ، عمر بن الخطاب رضي الله عنه الخليفة الراشدي العظيم والإمام العادل الرحيم، صفحة 732_733. بتصرّف.